كتابة الأخ الفاضل عاصم السلطان
روى المحدثون : أنه لما أجمع القوم على منعها فدكا، جاءت فاطمة الى المسجد في لمة من حفدتها ، حتى إاذا وصلت نيطت بينها وبين القوم ملاءة ، فأنت أنة ثم قالت: "الحمد لله على ما أنعم، و له الشكر على ما ألهم من عموم نِعَمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، و تمام نِعَمٍ والاها، جل عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها "[1] صدقت سيدتنا و مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلام الله عليها.
فهرسة عامة حول مواضيع الخطبة
يتناول حديثنا بإذن الله تعالى جملة من عقائد الإمامية من خلال خطبة سيدتنا و مولاتنا فاطمة صلوات الله وسلام الله عليها. سوف نسعى للحديث عن توحيد الله و معرفته و الصورة العقدية التي يؤمن بها أتباع أهل البيت عليهم السلام من خلال كلمات السيدة الصديقة الزهراء عليها السلام، كما سنتحدث أيضا عن معرفة النبوة و شخصية النبي المصطفى محمد صلى الله عليه و آله من خلال كلماتها عليها السلام ، و أيضا سوف نتحدث عن موضوع نشأة التشيع لأهل البيت من خلال ما تُعرفه فاطمة الزهراء عليها السلام و نتحدث عن جانب الإيمان بالمعاد و يوم القيامة من خلال خطبتها ، و أخيرا نتحدث عن موضوع الاحتجاج و المحاكمة التي قدمتها عليها السلام في الدفاع عن حقها وإرثها الثابت لها شرعا، غير أن ذلك الذي سوف نتعرض إليه في المواضيع القادمة يحتاج إلى أن نقدم مقدمة عن انتساب هذه الخطبة الى السيدة الزهراء عليها السلام ؛ ذلك أن جعلها مدار الحديث يتطلب أن يكون انتسابها إلى فاطمة تاما وقد بُرهن عليه حتى يقال نحن نشرح هذه الخطبة.
إنكار المخالفين انتساب الخطبة للزهراء :
يلاحظ أن من المتطرفين المخالفين لمذهب أهل البيت عليهم السلام لديهم إصرار شديد على نفي إنتساب هذه الخطبة لفاطمة عليها السلام و هناك سعي حثيث على تكذيب أن تكون فاطمة قد قالت هذه الخطبة وهذا ليس غريبا؛ فإن نفس هذه الفئة قد كذبت إنتساب نهج البلاغة لأميرالمؤمنين عليه السلام لنفس السبب الذي كذبت فيه إنتساب الخطبة لفاطمة.
تعلمون أن هنالك توجها ينتهي إلى أن نهج البلاغة ليس ثابت النسبة لعلي عليه السلام مع اشتهار ذلك بين عموم المسلمين قديما و حديثا إلا أن هذه الفئة تسعى لنفي هذا الانتساب وتكذيب هذه النسبة وذلك لأنها لا تستطيع أن تتحمل أن يقول علي بن أبي طالب خطبة الشقشقية .لا يمكن الأخذ بثبوت الخطبة لعلي عليه السلام لأنه يهدم مجموعة من الأسس التي بنيت عليها المدرسة الأخرى؛ فأسهل طريقة هو تكذيبها . ولا يستطيعون أن يقولوا أن عليا لايهمنا كلامه لمكانة علي ؛ فالطريق الأصوب عندهم أن ينفو انتساب كتاب النهج لعلي بن أبي طالب ، فيقولو: هذا ليس لعلي بن ابي طالب أومنحول له أو مكذوب عليه أو مفتعل عليه؛ فاسهل طريق لهم قولهم أن هذه الخطب ليست لعلي، ونفس الجهة التي دعت هؤلاء إلى تكذيب انتساب نهج البلاغة لعلي عليه السلام هي نفس الجهة التي جعلت هؤلاء أنفسهم يكذبون انتساب الخطبة الفدكية لفاطمة الزهراء عليها السلام فيما يرتبط منها بالأمر العقائدي، ولكن يوجد هنالك فقرات لا يهمهم أن تكون ثابتة أو أنها ليست ذات أهمية بالنسبة لهم مثل: "فجعل الله الإيمان تنزيها من الشرك " هذا لا يهمهم كثير، ولكن عندما تدخل في الموضوع العقدي في معرفة التوحيد هذا يضرب في أحد الأعمدة العقائدية عندهم. عندما تذهب إلى موضوع الاحتجاج بين الزهراء و بين الخليفة هذا يضرب موضوع عقائدي، لذلك أسهل شيء أن يقال هذه خطبة مكذوبة.
نحن في هذا المقام نريد أن نشير إلى بعض الاشارات بالرغم أن قسما من الحديث هو موضوع تخصصي ولكن نحاول أن نقرب قدر الإمكان بعض المعاني التخصصية إلى المستوى الثقافي بمقدار ما يتحمله المقام و غرض الحديث.
يمكن الحديث في هذا الاتجاه في عدة نقاط :
الاحتجاج لا يحتاج إلى أسانيد !
النقطة الاولى: البعض من العلماء يقولون أساسا نحن لا نحتاج إلى سندٍ للخطبة الفدكية لأن النقاط الأساسية فيها تدور على الاحتجاج والاحتجاج برهان عقلي لا يحتاج إلى سند، مثال لو أتيت بنظرية رياضية 2+2=4 هذا لا يحتاج بأن تقول قال رسول الله 2+2=4 و سندنا إليه كذا و كذا و كذا ؛لأن هذا مجراه مجرى برهاني عقلي " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"[2] هذا البرهان العقلي وجود الآلهة المتعددة ينتهي إلى النزاع و إلى خراب الكون. هذا برهان عقلي حتى لو لم يأتي به القرآن هو صادق حتى لو لم يقله النبي. لا يحتاج أن يأتي و يقول النبي إن تعدد الآلهة في الكون سبب لفساد الكون، ولا نحتاج أن نبحث في سند هذا الكلام لأن الأمر أمر برهاني عقلي. في البراهين و الاحتجاجات العقلية ينظر إلى نفس الدليل بغض النظر عن قائله حتى لو كان القائل له ملحد أنت تنظر إليه ضمن المعادلات و القواعد فتحكم عليه بأنه صحيح أو لا.
بعض العلماء يقولون أن أدلة عصمة النبي صلى الله عليه وآله مثلا لا نحتاج فيها لأدلة و لذلك في العقائد الأساسية لا يأتون بأسانيد و لا يعتمدون عليها لأن المدار فيها على البرهان العقلي، يقول لك مثلا من أدلة عصمة النبي صلى الله عليه وآله أنه لو لم يكن معصوما لأخطا و كذب و ارتكب الحرام و العياذ بالله فيسقط عن الاقتداء و يكون بعض الناس أفضل منه في تلك الحالة. هذا الذي لم يعص يكون أفضل من النبي الذي عصى هذا اذا لا نحتاج فيه إلى رواية و نحقق في سندها لماذا لأن هذه الفكرة قائمة على البرهان العقلي
الخطبة الفدكية النقاط المهمة فيها قائمة على أساس براهين عقلية " الممتنع من الابصار رؤيته و من الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته " في صفة الله سوف نأتي على الحديث عليها لماذا قالت بهذا الترتيب عليها السلام و لماذا يكون ممتنع أوعندما تأتي فاطمة عليها السلام في الحجاج و تقول:" أَفَخَصَّكُمُ الله بآية أخرجني و أبي منها أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان أليس الله يقول في كتابه: (وورث سليمان داود) و (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) " هذه لا تحتاج إلى سند لأن أي إنسان عندما تعرض عليه هذه كقضايا عقلية لا يملك إلا أن يسلم بها.
فهناك إذا الرأي الأول يقول بعض العلماء نحن لانحتاج أساسا في قضايا الاحتاج و المناظرات و العقائد إلى سند و إنما نحتاج إلى نفس الدليل. أحد أصحاب الامام الصادق عليه السلام يقول: أتى الامام و قال له أخبرني كيف صنعت مع عمرو بن عبيد -الذي هو أحد المتكلمين من المدرسة الأخرى- في الاستدلال على الامامة فيقول قلت له عندك يد فقال طبعا عندي يد فقال له عندك عين قال نعم قال له ماذا تفعل بها قال كذا أصنع قال له عندك أنف قال نعم كذا أصنع به قال له عند فم قال نعم كذا أصنع به قال له عندك قلب -اي عقل- قال بلى قال له ما تفعل به قال يسيطر على كل هذه ويوجهها قال له موقع الإمام هو موقع القلب من البدن. العين ترى و الأنف يشم و اليد تبطش لكن يوجد هنالك ناظم يجمع هؤلاء و يحرك كل هذه فموقع الإمام هو هكذا . هشام بن الحكم لم يكن قد سمع هذا الكلام من أحد و لكن هذا الكلام كلام مبرهن لا يحتاج بأن يقول أنا سمعته من الإمام و أنقله عبر الروايات و عبر الأسانيد و لهذا فإن أحد علمائنا و هو صاحب كتاب الاحتجاج و هي من الكتب المهمة للشيخ أحمد بن علي بن طالب الطبرسي رضوان الله تعالى عليه يقول: أنا تركت الأسانيد و لم أئتي بها لأن ما أورده إما يكون موافقا للإجماع أو يكون مما أدت إليه العقول و هذا لا يحتاج إلى أسانيد ،بعضهم قال أننا لا نحتاج إلى إثبات سند للخطبة لأن الخطبة هي في مقام الاحتجاج و مقام الاحتجاج إنما يؤخذ فيه بالأدلة و البراهين المقامة بغض النظر عن السند وهذا الأمر الأول.
كثرة تناقلها يغني عن البحث السندي
الأمر الثاني : قيل أن هذه الخطبة لا تحتاج إلى تحقيق سند من أسانيدها نظرا لكثرة الأسانيد و تواترها أو تظاهرها و تظافرها و اشتهارها. لو كانت رواية واحدة فنقول نحتاج نحقق في رجال السند و أما إذا تكاثرت و أصبحت متواترة و متظافرة ومشهورة فنحن لا نحتاج إلى النظر في سندها ؛ لأن العلماء يقولون المتواتر و المتظافر يفيد الإنسان علما و هذا أعلى الدرجات. السند لا يفيد العلم، لما أنا أروي الرواية عن فلان عن فلان عن فلان هذا لا يفيدني علم يفيد ظنا و لكن هذا الظن أمرنا أن نتبعه وهذا يسمونه من الظنون التي ثبت اعتباراها ، لكن لا يفيدنا علم رواية فلان عن فلان حتى لو كانو ثقة و لكن الخبر المتواتر اذا ستة أشخاص و سبعة أشخاص و ثمانية أشخاص و أكثر أتو إلينا بالخبر نفسه مع أول شخص يأتينا يمكن أن يبقى معنا شك و تردد لما يأتي الثاني ينقص هذا التردد و يزداد الاطمئنان لما يأتي الثالث و يخبرنا يزداد و هكذا إذا صار ستة و سبعة وثمانية يصبح الإنسان متأكد.يفيده التواتر علما و اطمئنانا فعليه فهو أقوى من ذلك الذي يُنقل بخبر واحد عن فلان وعن فلان وعن فلان . يقولو نحن لا نحتاج إلى النظر في سندها ؛ نظرا لأن هذه الخطبة ذكروعليها ما يزيد عن ثلاثين طريق من الطرق التي تروى بواسطتها ، بعضها ينهيها إلى ابن عباس و بعضها ينهيها إلى زينب بنت أمير المؤمنين إلى فاطمة و هذه نفسها بعدة طرق أيضا بعضها ينتهي إلى زيد بن علي بن الحسين الشهيد بعضها ينتهي إلى الامام الباقر عليه السلام وبعضها الى عبدالله بن الحسن من بني هاشم بالاضافة – هذا من الغريب و لم اعثر عليه و لكن مذكور في بعض الكتب- بعض هذه الطرق تنتهي إلى عائشة بنت أبي بكر أحد الرواة التي ينقل عنها خبر الخطبة زوجة النبي صلى الله عليه وآله فإذا هنالك طرق مختلفة متععدة متكثرة متظافرة وآنئذ لا نحتاج إلى أن نروي بسند واحد عن فلان عن فلان عن فلان .
إثبات السند بالمتن هل هو ممكن ؟
هنا أمر أيضا يذكر في هذا الاتجاه أننا نستطيع تصحيح السند بالمتن وهو لو أردنا أن نأخذ القرآن الكريم عندما جاء به سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله العمدة الأساس في إثبات أنه من الله عز وجل ماذا كان؟ أنه كلام معجز من حيث المعنى ومن حيث الصياغة (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[3]
العمدة الاساس هو هذا. صحيح أن النبي كان عند الناس و عند قريش صادقا و أمينا و لكن النقطة الأساسية في ذلك كانت اعجاز القرآن معنىً و لغةً حتى الذي كان لا يعتقد بصدق النبي لما يأتي ويعرض عليه القرآن بإعجازه يخضع له و يقتنع به.
لما نخرج من الأمر القرآني إلى باقي النصوص، بعض العلماء يقولون أن ما ورد من الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله " إن على كل حقٍ حقيقةً وعلى كل صوابٍ نوراً فما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن فما وافق القرآن فخذوه و ما خالف القرآن فدعوه" لما تأتي و ترى رواية من الروايات بعض الروايات إما سبكها و لغتها لغة متهالكة متهافتة فتقول هذه الرواية ليست عليها مسحة البلاغة النبوية أو أن معناها يكون معنىً ضعيفاً ركيكاً فتقول هذا المعنى ليس من المعاني التي يطرقها النبي أو الامام، و هذا مما ذكروه أيضا في قضية نهج البلاغة. قالو لما نأتي إلى نهج البلاغة نلاحظ الخطب فيها خطب فخمة متينة من حيث المعنى و في قمة البلاغة . لا يستطيع أحد غير علي بن أبي طالب أن يأتي و يصوغها و هذا يمثلون له و ينظًّرون له نظائر.
الآن أنت لما تسمع قصيدة لشخص و يأتي و يقول لك هذه قصيدة لأبي الطيب المتنبي فإذا كنت عارفاً باللغة و بالشعر تتأمل فيها قليلاً فتقول هذه القصيدة لا تخرج من فم المتنبي . المتنبي أكبر مستوى و أعظم من هذه القصيدة.
قبل مدة من الزمان انتشرت قصيدة وقالو أن هذه القصيدة لنزار قباني في محتواها أنه سأل المكذب الرافضي بهذا المعنى لماذا أنت تبكي و على هذا النحو فعندما عرضت على العارفين قالو ليس هذا أسلوب الشاعر ولا هو فكره و لا هي مفرداته و لا هي ألفاظه، أبدا لا يمكن أن تخرج هذه الألفاظ من عنده ، وبالفعل بعد البحث تبين الشعر لشاعر من شعراء البحرين و لا ترتبط بنزار قباني. العارفون بالأدب و باللغة يستطيعون تمييز قصيدة المتنبي و قصيدة شاعر من هذا الزمان، وخطبة علي بن ابي طالب و خطبة فلان بن فلان في معانيها و في أساليبها.
لما تأتي إلى خطبة الزهراء عليها السلام ترى فيها من المعاني الراقية و العميقة – إن شاء الله نتعرض لبعض هذه الألفاظ – التي لا تتيسر إلا لمن كان يفرغ عن معدن الوحي و النبوة و لا تأتي إلا لمن أخذ هذا العلم من سيد الأنبياء محمد -صلى الله عليه وآله- .فإذا نحن لما نأتي ونعرض هذه الخطبة على ميزان النقد المتني نرى متن هذه الخطبة و الكلمات الموجودة فيها و العبارات و المعاني و كذلك الأداء و السبك البلاغي نجد أن هذا الكلام لا يمكن أن يخرج من إنسان عادي وإن نسبته إلى فاطمة الزهراء عليها السلام هي كما قال الشاعر المتنبي عن ناقته: سَبوحٌ لها منها عليها شواهد، المتنبي يصف ناقته بأن لها: أي أنها بشكل التي لها من الصفات، منها: أي من صفاتها، عليها: على حسنها و جمالها وقوتها كل هذه شواهد، كذلك أيضا بالنسبة لهذه الخطبة ما جاء فيها من الفقرات قسم منها ورد في كلمات أمير المؤمنين-عليه السلام- أيضا و ورد في كلمات الإمام الرضا -عليه السلام- و ورد في فقرات أخر من خطب ثانية وهذه كلها تنسب في كتلة واحدة إلى السيدة الصديقة فاطمة الزهراء -عليها السلام-.
التفريق بين الاثبات التاريخي والاثبات الفقهي :
بعد هذا أيضا نقطة أخرى يجب علينا أن نفرق بين الثبوت الفقهي و الثبوت التاريخي هنا أريد أن يلتفت القارئ معي إلى هذا المعنى. قسم من الناس يتصور أن القضايا التاريخية كالقضايا الفقهية لابد لكل شيء فيها من سند متصل مع أن المنهج البحث التاريخي يختلف عن منهج البحث الفقهي منهج البحث الفقهي يعتمد إما على قواعد أصولية وإما على أخبار عن المعصوم . الخبر عن المعصوم لم أسمعه بأذني وإنما لابد أن ينتقل إلي بطريق معتبر . الطريق المعتبر هو أنه أرى سنده عن فلان عن فلان عن فلان إلى أن يصل إلى المعصوم هذا الطريق الوحيد الذي أمامي على هذا المسلك.أما البحث في المنهج التاريخ فيكون مختلفاً. فهو يعتمد على أساس القرائن لايوجد عندنا مؤرخ على كل قضية يطلب فيها سندا و لو كان كذلك لانعدمت التفاصيل التاريخية.
الآن لو نأخذ مثلا غزوة بدر وهل هنالك أشهر من غزوة بدر؟ لا يستطيع مؤرخ أبدا أن يأتي بكل ما ورد فيها بناءً على الأسانيد لو أراد أن يقتصر على الأسانيد لا يستطيع إلا أن يأتي بعشر معلومات عن غزوة بدرفقط أما هذه التفاصيل الكثيرة لا يستطيع أن يأتي بها بالأسانيد و إنما هي تعضدها القرائن التاريخية . فلان قال هكذا و هذه النقطة حدثت في مكان ما تتعاضد فتعطي انطباعا عند المؤرخ واطمئنانا بمثل هذا الموضوع .
المنهج التاريخي واعتماده على القرائن
حادثة إلقاء فاطمة للخطبة قضية تاريخية بهذا المعنى و ليست حادثة فقهية أو حكم فقهي أنها لما أجمع القوم على منعها فدكأ خرجت إلى المسجد و ألقت هذه الخطبة ،هذا موضوع تاريخي. الموضوع التاريخي يحتاج إلى منهج تاريخي، من المنهج التاريخي كثرة القرائن مثلا : نحن نأتي ونرى في كتب اللغة، كتاب اللغة ليس موضوع للموضوع التاريخي و لكن مع ذلك نستطيع أن نستفيد منه فنأتي ونرى بعض اللغويين في كلمة لُمّة، جاءت فاطمة في لُمّة من نسائها في باب ل.م.م يذكر في لسان العرب و في النهاية لابن أثير وفي غيره، لُمّة: جماعة من ثلاثة إلى عشرة . ثم يورد وقد ورد في الأخبار أن فاطمة لما أجمع الخليفة على منعها فدكا أنها خرجت في لُمّة من نسائها، هذا الناقل ليس بشيعي و ليس بصدد إثبات الأمر العقائدي. و أيضا كلمة هَمْبَثَة لأنها قالت في آخر الخطبة " قد كان بعدك أنباء و همبثةٌ لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطُبُ" يجيب أيضا هناك الفائق بن الجزري ، لسان العرب و غيره عدد من الكتب اللغوية تأتي وتتحدث أن هذه قالتها فاطمة -عليها السلام- في نهاية خطبتها التي خطبتها في المسجد بعد وفاة أبيها رسول الله -صلى الله عليه وآله- ؛ فالشاهد على أننا من خلال هذه الخطبة نأتي و نرى كتب اللغة قد تحدثت عنها. أيضا كتب البلاغة التي تتحدث عن الأمور البلاغية مثل كتاب بلاغات النساء لابن طيفور أحمد بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 280 هجرية تقريبا و هو ليس من الشيعة و عنده كتاب خاص بالنساء البليغات و خطبهن البليغة وهو ليس في صدد الحديث عن موضوع ديني أو عقائدي و إنما في صدد الحديث على أن عدد من نساء المسلمات كن بليغات في اللغة العربية و متضلعات فأورد خطبة فاطمة الزهراء -عليها السلام- باعتبارها نموذج أعلى في البلاغة. ليس هو في إثبات أمر عقائدي وليس هو شيعي المذهب و إنما في صدد الاستشهاد على الموضوع البلاغي .
الكتب التاريخية أيضا تأتي بنفس الخطبة مثل كتاب السقيفة وفدك لأحمد بن عبدالعزيز الجوهري المتوفى سنة 323 هجرية ، وهذا من مشائخ محدثي المدرسة الأخرى من مشائخ الطبراني صاحب المعجم كما ذكر بعضهم ليس من هذه المدرسة وهو كما وصفه ابن أبي الحديد و غيره أنه رجل حافظ للأخبار، كثير العلم، حسن التصانيف، ورعٌ في النقل وبالرغم من أنه لم يكن على مذهب الإمامية إلا أنه أثبت هذه الخطبة في كتابه السقيفة وفدك .
هذه القرائن منضمة بعضها مع البعض الآخر من استشهادات لغوية، ومن إيرادها كنموذج من نماذج البلاغة، و أمثال ذلك من إيرادها في الكتب التاريخية لغير المؤرخين الإمامية تفيد عن حصول هذه الخطبة وإلقاء فاطمة -عليها السلام- لها، و هذا بناء على المنهج التاريخي في البحث يكون من القرائن القوية، و بالطبع هنالك قرائن كثيرة أخر لا يسع المقام لذكرها
أخيرا بعض الطرق التي ذكرها محمد بن جرير الطبري الإمامي، هذه أيضا بعض الطرق حتى بالمعنى الفقهي الخاص على بعض المسالك الرجالية لها أسانيد معتبرة وصحيحة، و بالتالي من زوايا مختلفة يُصَحّحُ انتساب و انتماء هذه الخطبة الى سيدتنا الصديقة فاطمة الزهراء -عليها السلام- و لقد نقلها كثير من المؤرخين في كتبهم. كانت محل الاهتمام هذه الخطبة من وقت مبكر؛ فقد كتبت بالرغم من أنه في تلك الفترات كان أمر التدوين و الكتابة ممنوعا من الناحية الرسمية. كتبت في وقت مبكر مثل ما دونها في كتابه وهو كتاب خاص باسم خطبة فاطمة الزهراء -عليها السلام- للمؤرخ والمحدث لوط بن يحيى الأزدي المتوفى سنة 157 هجرية و هذا يعني أنه كان معاصرا للامام الصادق -عليه السلام- و معاصر للإمام الباقر -عليه السلام- و معاصر للإمام زين العابدين -عليه السلام-، و هذا محدث ومؤرخ كثير التصانيف له كتاب واقعة الجمل، و له مقتل الحسين -عليه السلام- ،وله خطبة فاطمة الزهراء -عليها السلام- التي هي هذه الخطبة .
بعض الكتب التي نقلت كامل أو جزء الخطبة
بعد هذا كما ذكرنا بمدة كان ابن ابي طيفور، وبعده كان الجوهري في كتابه السقيفة، وبعده كان الشيخ الصدوق -أعلى الله مقامه- صاحب من لا يحضره الفقيه أورد فقرات منها في كتابه علل الشرائع، وبعده كان محمد بن جرير الطبري صاحب دلائل الإمامة، وبعده كان الطبرسي صاحب الاحتجاج ، وبعده ابن أبي الحديد المعتزلي شارح النهج و هكذا وقد أوردت في كل قرن كتاب من الكتب التي دونت هذه الخطبة و أشارت إليها، وهي من حيث المعاني الموجودة فيها سبكا و مضمونا لا يمكن إلا أن تأتي من هذا المعين ومن هذا المعدن الذي يغرف من لسان رسول الله محمد -صلى الله عليه وآله-.
طبعا تكتسب الخطبة أهميتها من شخصية المتحدثة فيها و هي سيدة النساء المعصومة التي لا تنطق جُزافا و لا تجاوز الحق قيد أنملة و هي المطهرة بنص آية التطهير وهي الممثلة لكل نساء المسلمين بنص آية المباهلة و هي التي يرضى الله لرضاها و يسخط لسخطها.
من خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام المعروفة بالخطبة الفدكية [1]
سورة الأنبياء آية 22[2]
سورة الإسراء آية 88[3]