كتابة الاخت الفاضلة تراتيل
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الامام الجواد عليه السلام :" عليٌ ابني الامام من بعدي قوله قولي وطاعته طاعتي"
هذه المحاضرة تتناول سيرة الامام علي بن محمد الهادي بشكل اجمالي . فهو عاشر أئمة اهل البيت صلوات الله عليهم وقد علمنا اننا لا نستطيع ان نحيط بهذه الحياة الكريمة التي حفلت بالأحداث ولكن سيكون الموضوع مختصر للتذكير بسيرته العطرة عليه السلام
كنيته عليه السلام
ابو الحسن , وقد اطلقت عليه هذه الكنية وهي تطلق أيضا على الامام موسى بن جعفر – الكاظم- عليه السلام وأيضا هذه الكنية هي للإمام الرضا وقد وردت في الروايات و تكون بقرينه أبو الحسن الثاني وكذلك تطلق في حق الامام الهادي عليه السلام.
ان التكنية بالكنية الحسنه المفيدة النافعة هي من الأمور المستحبة لعامة المسلمين وقد ورد في القواعد الأخلاقية من طريق اهل البيت عليهم السلام انه يستحب للإنسان ان يكني ابنه وان كان صغيرا, وعلى هذا جرت سيرة اهل البيت عليهم السلام . فتكنية الامام الحسين عليه السلام بابي عبدالله هي كنية كناه بها رسول الله صلى الله عليه و آله منذ ان كان الحسين صغيرا وبقيت هذه الكنية الى وقت متأخر كما جاء في بعض الروايات مع ان عبدالله ليس ابن الامام الحسين الأكبر
وهذا يشير الى ان سيرة المعصومين كانت باتجاه الالتزام بالتكنية بانتخاب الاسم الجيد و الكنية الجيدة المناسبة لذلك الاسم و في مقابل ذلك كان الجاهليون ومن تأثر بهم يكنون ولكن بكنى مزعجة مرعبه ك( ابي صخر ) وما شابه ذلك
ولادته وعمره الشريف
ولد الامام الهادي عليه السلام سنه212هجريه واستشهد سنه 254 هجرية على المشهور وهكذا يكون عمره الشريف على هذا التقريب هو 42 سنه .
و الملاحظة التي يلاحظها الباحث في سيرة المعصومين عليهم السلام اننا كلما اتجهنا باتجاه الائمة المعصومين المتأخرين وجدنا معدل أعمارهم سلام الله عليهم مقارنه بالأعمار العامة لسائر الناس اخذ في التناقص فمثلا الامام امير المؤمنين كان عمره عند وفاته فوق الستين اما الامام الحسين فقد كان في الخمسين من عمره في حين ان الائمة الباقين سلام الله عليهم تراجعت الاعمار لديهم فالإمام الجواد في الثامنة والعشرين وهذا دلالة على التوتر السياسي الذي كان موجودا آنذاك ويثبت الفكرة التي عند الشيعة بان موتهم سلام الله عليهم كان بفعل فاعل وليس موتا طبيعيا
نشأتــــه
تربى الامام الهادي عليه السلام في المدينة حيث بقى مع ابيهِ الامام الجواد عليه السلام حتى استدعى الخليفة المعتصم العباسي الامام الجواد بطريقة الاحضار وهكذا فان الامام الجواد عليه السلام ترك الامام الهادي في المدينة المنورة ولم يسترفقه معه , ففي هذه السفرة المشؤمة كانت منيته عليه السلام و كان عمر الامام الهادي تسع سنوات وقد تولى الامام الهادي الامامة بعد استشهاد ابيه فاصبح اماما مفترض الطاعة تأخذ منه الاحكام
الإمامة قضية الهية
لم يكن لدى الناس أي اشكاليه في تولي الامام الهادي الامامة رغم صغر سنه و ذلك لأكثر من سبب .
احد الأسباب هو ان هذه القضية من الناحية النظرية تم اشباعها و الإجابة على اشكالاتها نظرا لتقدم الامام الجواد في هذه القضية وتوجيه الشيعة هذا السؤال
وقد اجيب على من تسأل حول ذلك بان الإمامة منصب كالنبوة وحيث ان القضية الهية بالكامل و مرتبطة بالله وغير مرتبطة بالعمر حيث ان الله في محكم كتابه يقول ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا ) . هذه القضية تكررت أيضا في نبوة النبي عيسى عليه السلام في وقت مبكر في المهد (اني انا عبدالله اتاني الكتاب وجعلني نبيا)
اذًا الإمامة قضية الهية ومنشأها منشئ سماوي لا ترتبط باختيارات الناس و مقاييسهم المتعارفة عندهم .
وبما ان الامر كذلك ولها سوابق في قضية اكبر كالنبوة حيث لم يقف السن والعمر امامها اذن في موضوع الإمامة والتي هي اصغرعند الناس - لا يقف العمر حائلا .اذًا التنظير الفكري حصل لها . أيضا التجربة العملية التي تعرض لها الامام حيث انه تم سؤاله اعقد الاسئلة وأجاب بل افحم جميع السائلين بإجاباته, هو مارس مهمات الإمامة طيلة حياته من دون تعثر وهذا جعل الشيعة الحاضرة العامة تعتقد القضية في امامة الامام الهادي كما هي قضية الامام الجواد. لذلك لم يكن هناك إشكالية في استقبال امامة الامام الهادي عليه السلام .نعم عند العباسيين لكونهم ضمن اطار الحاكمين كانوا لا يفهمون هذا المعنى فهم يفهمون ان الشخص لا بد ان يكون لديه تغلب ومال وقوة و مؤهلات ظاهرية حتى يحكم الناس
انسان استثنائي وعلم لا حدود له
ضمن هذا الاطار تنقل رواية نقلها المرحوم المحقق باقر شريف القريشي - صاحب موسوعة حياة اهل البيت عليهم السلام والتي يصل عدد مجلداتها الى 40 مجلد وهي تتميز بعرضها بثقافة جيده – هذا العالم المحقق رحمه الله نقل هذه الرواية والتي تشير الى ان البعض ممن لا يعتقدون بان الامام الهادي يمكن ان يتولى أمور من هذا النوع فقيل ان المعتصم العباسي ارسل لوالي المدينة يطلب منه بان يعين للإمام الهادي معلم ليعلمه علوم اللغة والتفسير والادب و اشبه ذلك فلربما أرادوا ان يدرسوه أفكار مخالفه لعقيدته او ربما اردوا ان يقللوا من شأنه , فانتخب له عالم اسمه الجنيدي – اعلم اهل زمانه في اللغة والتفسير وغيره – وقالوا له قم بتدريس الهادي وتفهيمه
فجاء الجنيدي يعلمه مساله من المسائل فقام الامام عليه السلام بتفصيل المسالة له بشكل دقيق , فبهت ودهش المعلم لأنه اعلم العلماء في ذلك الزمان وهو لم يكن يعرف هذه المعلومات وهذا الغلام ذو الثمان سنوات يفصل له المسائل هذا بالتفصيل الدقيق
فالأمام علمه علم الله وهو من ورثة علمني رسول الله الف باب من العلم ينفتح لي من كل علم الف باب , فعلمه لا حدود له. يوماً سئل احدهم الجنيدي - وهو محمد بن جعفر صديق الجنيدي - عن حال الامام حيث قال له : ما حال هذا الغلام الذي عندك؟
. فرد عليه الجنيدي : لا تقل غلام بل قل شيخا
فستفسر السائل عن السبب فرد عليه المعلم قائلاً: والله اني لأذهب اليه فأقول له المسالة فيأخذ في تفصيلها وتفريعاتها ويعلمني فيها ما لا اعلم ، والله اني لأذهب واستفيد منه والناس يتصورون اني اذهب لأعلمه
وقيل انه عبدالله بن زبير الحميدي حيث انه يحتمل ان يكون هناك تصحيف للكلمة -المتوفي عام وهو من افضل تلامذة الشافعي وسفيان ابن عيينه المعاصر للإمام الصادق عليه السلام و يعتبر من العلماء الجامعين عند الجماعات الاخرى –
اذن الامام الهادي ليس انسان عادي بل هو انسان استثنائي , فبقى الامام الهادي الى ما بعد 234 هجري أي 22 سنه على الأقل في المدينة في هذه الفترة برز فضلة و علمه والتف الناس حوله ونظر اليه الناس نظره اجلال واكبار واعجاز
. هذا الالتفاف من عامة الناس والعلماء اثار رجالات السلطة الذين يتجسسوا على الناس واثار الخلافة العباسية فشعروا بالخطر.
احد أعوان السلطة اسمه بريحه العباسي ارسل رسالة الى السلطة يقول فيها :(ان كان لك في المدينة حاجة فاخرج منها محمد بن علي) فارسل الخليفة المعتصم رسالة ظاهرها ناعم و باطنها شديد, فحواها احضار الامام عليه السلام الى بغداد وبعد ذلك الى سامراء حيث انتقل المعتصم الى سامرا
فوصل الامام عصرا لبغداد, وحينما علم الناس بخبره وارادوا استقباله اخر والي بغداد و الشرطة دخوله وادخلوه ليلا واخرجوه من بغداد فجرا حتى لا يلتقي بشيعته واتباعه ومحبيه حتى لا يؤثر فيهم ولا يجددون العهد به
سامراء العاصمة
اُخِذ الامام الى سامرا عاصمة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت لكون المعتصم استقدم جيش من الغلمان والمرتزقة والعبيد الاتراك والشركس لحمايته لكونه لا يثق بجيشه المسلم – هؤلاء الاتراك بدؤا يتحكموا فيه وقتلوا ابناءه وهم ينتهكون الحرمات ولديهم تصرفات تعسفيه ضد المسلمين – وهكذا الناس ضجوا وتحدثوا للمعتصم بشأنهم ليجد حلاً لذلك اضطر المعتصم الى الخروج معهم الى سامرا فأصبحت سامرا العاصمة و اصبح الامام في سامرا
المتوكل العباسي
وعندما هلك المعتصم جاء المتوكل العباسي وكان متجاهر بنصب العداء لأهل البيت ففي ذلك الوقت فمن الأمور التي قام بها وتظهر عداءه لاهل البيت
1-ارسل ثلاث مرات جماعة لهدم قبر الحسين عليه السلام
2- يعاقب أي شخص ينقل حديث إشارة لأهل البيت , وممن طالهم العقاب لذكرهم احاديث اهل البيت علي بن نصر الجهضمي حيث كان يحدث الاحاديث المعروفة عن النبي صلى الله عليه وآله فنقل ان رسول الله قال : ( من احبني واحب هذين واحب امهما واباهما كان معي في درجتي في الجنة ) فلما عرف المتوكل ان الجهضمي يحدث بهذا الحديث امر بان يجلد الف سوط . فاخبر الناس المتوكل بان الجهضمي ليس شيعيا و انه من المدرسة الأخرى كما انه لا يعلم بتوجيهات الحكومة هذه التي تنص على معاقبه ناقل احاديث النبي واهل بيته حينها خفف الحكم عليه الى خمسمائة سوط أي نصف العقوبة.
الولاء لآل محمد في عصر المتوكل
ومع ذلك كان هناك توسع ولائي لآل بيت رسول الله كان منتشر حتى في قصر الخليفة نفسه حتى قيل ان زوجة المتوكل ام المنتصر كانت تتشيع وتحب اهل البيت وعندما يصيبها شيء فأنها تنذر ان توصل مالا الى الامام الهادي ان رفع الله عنها تلك الشدة, وكان ابنها المنتصر عند المؤرخين معروف بانه موالي لأهل البيت عليهم السلام وهذا هو سبب قتله لأبيه المتوكل, والمتوكل بنفسه كان يعرف ان ابنه من الموالين لأهل البيت والشاهد انه ينقل ان المتوكل في احد الايام كان جالس في احد قصوره – كان لديه 7 قصور قيمتهم حوالي خمسين مليون دينار في حين ان باقي المسلمين يعيشون الكفاف – فرى في جهة من حديقة قصره الياس ذابل مصفر فقال لابنه المنتصر وكان جالساً : يا رافضي اذهب و اسال ربك الأسود ما سبب الصفرة لهذا ؟
وكلام المتوكل هذا يدل على عدة أمور
1- ان المتوكل كان يعرف بان ابنه محب لأهل البيت .
2- ان المتوكل كان يعتقد في ذهنه بان الامام الهادي عليه السلام لديه علم استثنائي .
3- ان المتوكل كان يتعمد اغاضة ابنه المنتصر في شتم الزهراء و الاستهزاء بأمير المؤمنين وذريتهما
4- ان كلمة رافضي هي كلمة ليست جديده
و قد كان عند المتوكل مهرج اسمه عباده فكان من حقده على امير المؤمنين يطلب من المهرج ان يمثل مشهد كاركاتوري ليمثل امير المؤمنين عليه السلام و يسخر عليه
فقال المنتصر ذات يوم لأبيه المتوكل : "هذا الرجل يعني المهرج يستهزئ بك , فعلي بن ابي طالب هو ابن عمك وهو اصلك الذي تفخر به فاذا كنت ولابد فاعلا فاشتمه انت ولا تجعل احد اخر يشتمه و يأكل لحم فخذك واصلك "
وهنا المتوكل زاد غضبه على ولده و قال في ذلك شعرا بذيئا نترفع عن ذكره هنا .
الكثير من المحققين يرى ان المنتصر كانت لديه توجهات شيعيه , و هذه الاستفزازات من المتوكل لابنه المنتصر دعاه للسؤال عن حكم قتل من سُمِع وهو يشتم بنت رسول الله و ابن عمه ولي الله امير المؤمنين . فهل يجوز قتله ؟؟
فقيل له : يجوز قتله , ولكن حُذر و قيل له ان من يقتل اباه ينقص عمره .
فكان رد المنتصر بانه لا يهمه ان يبقى في الحياة لحظة واحده بعد قتل من يشتم فاطمة وذريتها.
المتوكل في اعين الاخرين
البعض من اهل السنه يسمون المتوكل بناصر السنه و بعضهم يرى بانه الخليفة الذي يدخل الجنة .
اما بالنسبة للإمام الهادي عليه السلام فانه عندما كان يدخل عليه وهو يشرب خمرا كان يحاول توعيته وتذكيره بالموت فيذكر له الابيات
بـاتوا على قللِ الأجبال تحرسُهم غُـلْبُ الـرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
واسـتنزلوا بـعد عزّ من معاقلهم وأودعـوا حفراً يا بئس ما نزلوا
نـاداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا أيـن الأسـرّةُ و التيجانُ والحللُ
موقف المنتصر من المتوكل العباسي
خطط المنتصر مع الاتراك لقتل ابيه المتوكل لان الاتراك ضاقوا درعا به وبتصرفاته . وفي تلك الليلة التي أرادوا تنفيذ القتل فيها كان المتوكل مع وزيره الفتح ابن خاقان يشربان الخمر وقد بالغ المتوكل في شربه
ثم انه دخل عليهما احد الاتراك ويسمى باقر و مجموعه معه بالسيوف فمزقوهما حتى اختلطت دمائهما بالخمر المراق على نفس المائدة
احد شعراء البلاط العباسي يقول في رثاء المتوكل بدون ان ينكر موته مخمورا
هكذا فلتكن منايا الكرام بين ناي و مزهر و مدام
بين كاسين أروتاه جميعا كأس لذاته وكاس الحمام
نشر الامام الهادي عليه السلام للعلوم
الامام الهادي سجن في زمان المتوكل عدة مرات وضيق عليه ومنع الناس من الوصول اليه و الالتقاء به ومع ذلك الامام كان ينشر من علوم آبائه واجداده و قد خلّف الامام الهادي الكثير من النصوص منها الزيارة الجامعة – وهذه الزيارة جاءت للرد على حركات الغلو والتطرف في الائمه عليهم السلام فهي من النصوص الصادرة من المعصوم وهي ثابته بنص متعادل – ففي عصره عليه السلام كان يوجد الغلاة المتطرفين و النواصب .
كما كانت في زمان الامام الهادي تتواجد حركات زندقة والاحاد فخلف الامام الهادي علوم كثيره فيها
الامام الهادي في خلافة المنتصر
المنتصر عاش بعد ابيه سته اشهر وكانت هذه هي الفترة الوحيد التي عاش فيها الامام الهادي عليه السلام واتباعه شيء من الاسترخاء
فقد ارسل المنتصر لوالي المدينة : "انظر الى آل ابي طالب فهم الجلدة التي ما بين عيني" حبا لأمير المؤمنين لذلك دبرت له مؤامرة واغتيل فيها و قتل
المعتز العباسي و اهل بيت النبوه
جاء بعده المعتز ابن المتوكل - والذي كان ينافس المنتصر - وكان ينصب العداء والحقد لأهل البيت بنفس توجه ابيه و فعل ابشع الأفعال حيث انه اعمل المكيدة و الحيلة حتى اغتال الامام محمد بن علي الهادي عليه السلام بالسم بعد ان حاول عدة مرات في تسميمه كما ذكره اكثر المؤرخين
فسلام الله على مولانا الامام علي الهادي النقي وعلى آبائه واجداده و المعصومين من ابناءه ما بقي الليل والنهار