كتابة الأخت الفاضلة أم سيد رضا
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )).
حديثنا بإذن الله تعال يرتبط بشؤون الحسن المجتبى سلام الله عليه، ونتعرض إلى ذكر أمثلة ونماذج من فعل أحفاد الإمام الحسن ونسله، سواء على مستوى إقامة الدول في الأمة الإسلامية وفي التاريخ الإسلامي أو على مستوى تجهيز الامة بالمرجعيات الدينية العليا والمتخصصين في الفقه والشريعة الإسلامية.
بطبيعة الحال فإن هذا الموضوع موضوع متشعب وذو شجون ولا يمكن أن يحيط به الإنسان في يوم ولا شهر، ولكن كما قالوا لا يُترك الميسور بالمعسور والغرض من ذلك هو نفس الغرض الذي أشار إليه القرآن الكريم عندما تحدث عن قصص الماضين فقال: (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ))، فعندما نلاحظ هذه الأدوار الكبيرة على مستوى إقامة دول وحكومات من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والتي امتد بعضها ألف سنة تقريباً هذا يعطينا درس وخبرة وعبرة في أن ما أراده الظلمة والطواغيت ولا سيما العباسيون من محاولة استئصال نسل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لم يحدث، وهذا معناه أن ما أراده الله هو الذي يكون وما أراد العباد لا يكون بالضرورة.
سيكون عندنا عرض سريع لبعض الحكومات والدول التي نشأت في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، وهذا شيء عجيب ومن الأمور الملفتة للنظر وكأنه تم تغطية المساحة من المغرب إلى اليمن في فترات مختلفة بحكومات ودول وسلطات تنتسب إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، مع العلم أننا لا نريد أن نقول أن أعمال هؤلاء كانت كلها حسنة وممتازة وطيبة، فكل حكومة وسلطة بل وكل حاكم له حسابه وتقييمه الخاص، فكل إنسان بغض النظر عن نسبه سيحاسب على عمله، فإذا كانت أعماله صالحة فإنه بذلك يصدق نسبه ويبين أثر النسب الطاهر فيه.
إضافة إلى ذلك سيكون لنا تعريج ولو بسيط على أن هذه الدول والحكومات والسلطات والتي بعضها مستمر إلى الآن في العالم الإسلامي، لو أنها التفتت إلى أن جدها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام يستحق منهم أن يلتفتوا إلى أمره وأن يحييوا شأنه ويعظموا منزلته، فلماذا لا نرى في هذه الأماكن جامعات مثلاً بإسم الإمام الحسن المجتبى ومراكز بحوث متخصصة في شأن الإمام الحسن المجتبى وإحياء اسمه ثم إحياء آثاره ثم تجديد العهد بهذا الإمام العظيم، فهذا حق الإمام الحسن على جميع المسلمين ولكن حقه على من ينتسب إليه هو حقان.
سنعرج على نقطة أخيرة أيضاً وهي أن أحفاد الإمام الحسن من المهم أن يبادروا إلى استعادة من كانوا من أحفاد الحسن ولكن على غير منهجه، فعندنا مثلاً عوائل ودول وجماعات وطرق صوفية تنتسب إلى الإمام الحسن من أحفاده ولكن لا ترتبط به على المنهج العقدي والمنهج الفقهي وهذا أمر عجيب، لذلك ينبغي على المرجعيات الدينية التي هي على منهاج الحسنين ومنهاج أهل البيت ان تسعى لإسترجاع تلك الفئات التي تنتسب إلى الإمام الحسن بالقرابة ولكنها تختلف معه في المنهج.
نتحدث الآن وبعد هذه المقدمات عن بعض ما حصل للأمة من دول وحكومات وكيانات سياسية كانت تنتسب للإمام الحسن المجتبى عليه السلام:
فمن أوائل الدول التي تأسست من قبل أحفاد الإمام الحسن عليه السلام هي دولة الأدارسة في بلاد المغرب العربي، وتنتسب إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، وهو من الناجين من واقعة فخ، ومع شدة الطلب من قبل العباسيين له، تمكن من أن يهرب ويفر بواسطة عامل البريد الذي كان يتشيع لأهل البيت عليهم السلام واستطاع أن يهربه حتى وصل إلى بلاد المغرب.
بدأ إدريس يدعو بدعوته والتفت حوله قبائل البربر وغيرها وأحاطوا به لأنهم وجدوا فيه رائحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتأسست هناك بداية دولته، حتى أصيب بوعكة صحية فقام هارون العباسي بإرسال الطبيب إليه كما يزعم فسمه بريشة مسمومة وقضى عليه، ومع ذلك بقيت هذه الدولة أي من سنة 172 للهجرة إلى 200 سنة بعدها، فقد كان له ولد لا يزال جنين في بطن أمه عندما توفي فرُعي وتربى حتى استعاد موقع والده ولذلك بقيت هذه الدولة إلى أن حدثت الظروف التي أسقطت هذه الدولة من عدة جهات فانتشر الأدارسة في مختلف انحاء العالم الإسلامي، فقد ذهبوا إلى الجزائر وليبيا ووصلوا إلى اليمن ومكة المكرمة والحجاز، فالأسرة السنونسية التي كانت في ليبيا في عام 1969 قبل مجيء القذافي بانقلابه، كانت أسرة صوفية قاومت الإحتلال الإيطالي لفترة طويلة وهي من أحفاد الإمام الحسن عليه السلام وقد كان بها علماء سادة من نسل الحسن المجتبى عليه السلام، ولهذا نقول أن من المهم للمرجعيات الدينية والعوائل العلمية الحسنية أن تسترجع هؤلاء إلى منهاج جدهم الحسن المجتبى عليه السلام فإنه لا يكفي مجرد الإنتساب، وكذلك أيضاً قائد التحرير المعروف بالأمير الشهيد عبد القادر الجزائري هو من الحسنيين وهو قائد الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين والإستعمار.
بل وانتقلوا هؤلاء الأدارسة إلى أماكن بعيدة كجنوب المملكة (عسير وجيزان ونجران وما شابه)، فقد كانت لفترة طويلة من تحت إدارة الأدارسة إلى أن انضمت إلى المملكة، أما في الحجاز وبالذات في مكة المكرمة ما يقارب ألف سنة كان الأشراف الحسنيون يحكمونها، أما على نحو الإستقلال تماماً وإما بالتنسيق مع السلطة المركزية، أي أنهم بدأوا في أيام الخلافة العباسية المتأخرة في سنة 350 للهجرة إلى سنة 1250 للهجرة، فقد كانت مكة المكرمة في إدارتها والشؤون الدينية للكعبة كما أن هناك أوقاف عظيمة جداً كأوقاف الشريف غالب وأوقاف أبا نمي كلها لأحفاد الإمام الحسن عليه السلام وهي للأشراف من أبنائه، فقد كانوا ينفقون على المسجد الحرام نفقات عظيمة وبل وكانوا ينفقون ويصرفون على من يطلب العلم في مكة وخارجها.
أيضاً في قلب نجد ( تهامة ) كانت هناك دولة استمرت لمدة 200 إلى 300 سنة تسمى الدولة الأخيضرية وعاصمتها الخرج، بدأت عام 254 للهجرة واستمرت إلى حدود سنة 500 للهجرة وقد أسسها أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
نلاحظ أن أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرادوا أن يمحوا هذا النسل كالمنصور العباسي الذي اعتقل ستين شخصاً أو أكثر من المدينة المنورة وحملهم إلى العراق وسجنهم في سجن قد أهاله عليهم (أي دفنهم وهم أحياء في ذلك السجن)، والغرض من ذلك هو استئصال هذا النسل ورفعه من الوجود، ولكن نجد أنه ما إن مات المنصور العباسي حتى انطفأ ذكره وفي ذلك عبرة مهمة.
فالأمر المراد التأكيد عليه هو الدعوة من مثل هذه الجهات والفئات ممن لهم قدرة وشهرة وشخصية لأحفاد الإمام الحسن المجتبى وإن كانوا ليسوا على منهاج آبائهم وأجدادهم، فعلى الأقل نقول لهم انهضوا بأمر جدكم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وأحيوا ذكره، فذلك أقل حق لجد ووالد على ولد، فأسرهم لا تزال موجودة في الحجاز والمغرب والأردن وغيرها، فقسم من أبناء الإمام الحسن الذين خرجوا من الحجاز على أثر الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، هُجِروا إلى الأردن والعراق والشام.
القسم الآخر من الحديث هو ما قدمه أحفاد الإمام الحسن ونسله من ثروة علمية ومرجعية دينية وتخصص عالٍ في الشريعة وخصوصاً في المذهب الجعفري الإثني عشري، فنلتقي أولاً بآل طاووس الحسنيين ورأسهم كان السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس المتوفى سنة 664 للهجرة، فأكثر الأدعية وما يرتبط بالتوجه الروحي راجع لهذا العالم الجليل وهذا ليس الجانب الأهم له بل جانبه الأهم يكون في جهتين:
الجهة الأولى: أنه أنقذ الامة الإسلامية وتراثها من التدمير على يد هولاكو، فعندما أتى هولاكو وأحتل بغداد قام بطرح أسئلة مختلفة على علماء المسلمين ومنها: الكافر العادل خير أو المسلم الجائر؟ وغيرها من الأسئلة في هذا القبيل، فقسم من العلماء في خارج إطار مدرسة أهل البيت قالوا بضرورة المقاومة وحماية الخلافة العباسية، لكن السيد بن طاووس ومن كان معه استطاعوا أن يوقفوا هذه العاصفة بالسياسة وأن يحموا تراث المسلمين كله وليس فقط في الدين بل في الجغرافيا وعلم الفلك وغيرها، فكل المكتبات التي كانت مهددة بأن تدمر قامت هذه الفئة العظيمة بحمايتها.
الجهة الثانية: أنه قام بتدريس العلامة الحلي وهو من أعاظم علمائنا ونجد كتبه تُدَرس إلى الآن وتُنَاقش ويُبحث في آرائه، فقد كان ابن طاووس هو الأستاذ الأول للعلامة الحلي وفي مفاصل مهمة في افكار أساسية نشير إليه في المسائل الأساسية فيما سمي بتربيع الأحاديث، وهذا جعل التراث الشيعي ينقى بشكل بديع ورائع وهو السائد إلى الآن غالباً.
كذلك السيد عبد الكريم بن طاووس وهو من طبقة تلامذة السيد على بن موسى بن جعفر بن طاووس وقد كان له دور مهم في المرجعية الشيعية وفي الفقه الشيعي.
ممن يذكر في هذا أيضاً السادة من آل الطباطبائي وهو نسبة إلى طبا طبا وهو من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقيل أنه سمي بذلك لأنه كان في لسانه لثغة أي لا ينطق الكلام بالشكل الصحيح فسأله أحدهم: هل تريد رداء أو قبا، فقال: طبا، أي أنه أبدل القاف بالطاء ولذلك سمي بطبا طبا، والبعض الآخر قال بأن طبا طبا هي لغة نبطية عربية معناها سيد السادات، فنجد أن كل إنسان إذا صحت نسبته بعنوان الطباطبائي فهو حسني النسب، فهذه الأسرة الطباطبائية أعطت للتاريخ الشيعي وللحوزة العلمية وللمذهب شيء لا يصدق من العطاء.
فلنبدأ مثلاً بصاحب رياض المسائل السيد علي الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه ثم ابنه السيد محمد المجاهد، فصاحب الرياض يعتبر من أعاظم علمائنا وكتابه موجود ومطبوع للآن ويشير إليه العلماء بعناية كبيرة جداً، فالإنسان إذا أراد أن يعرف لباب الأدلة مع اختصارها فليرجع إلى كتاب رياض المسائل، ونلاحظ أنه مر على وفاته أكثر من 250 سنة ومع ذلك لا يزال كتابه في الطليعة عند المراجعة إليه، وكذلك ابنه السيد محمد المجاهد وقد سمي بالمجاهد لأنه خرج من كربلاء في أيام هجوم الروس على إيران وذهب بنفسه مع كبر سنه ليحشد الناس ويفتي بوجوب مقابلة روسيا في ذلك الوقت لأنها كانت تحتل أجزاء من إيران ولذلك تم اغتياله بسم كما هو الرأي المعروف.
أيضاً صاحب العروة السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي الذي يعتبر الآن سيد الفقهاء واستاذ أساتذة أساتذة مراجعنا المعاصرين، وكذلك السيدان السيد محمد البروجردي الطباطبائي والسيد محسن الحكيم الطباطبائي من المراجع المؤثرين في تاريخ الأمة وكلاهما متقاربان في الفترة الزمنية فبين وفاتهما عشر سنوات، وكلاهما أظهرا عزة مذهب أهل البيت، فقد كان للسيد البروجردي هيبة وكان لديه توجه للتجديد والتنوير ومحاربة عناصر التخلف في الأمة وكان من دعاة الوحدة بين أجنحتها المختلفة وله مشاريع عظيمة، وأما السيد محسن الحكيم فهو معروف عند الناس لأن قسماً كبيراً منهم أدركوه أو أدركه آبائهم وقد قلد هنا في المنطقة تقليداً عاماً ولم يكن ينافسه مرجعية أخرى من المرجعيات في هذه المنطقة، كما أن له أدوار عظيمة في القضايا السياسية والمذهبية وإنشاء المؤسسات وبث القضايا العلمية والدينية في العراق وغيرها وفي تنظيم المرجعية الدينية، وهو من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
كذلك السيد حسين القمي الطباطبائي الذي كان عالماً عظيماً في زمانه ومرجعية كبرى، وقد واجه الكثير من خطوات الشاه في إيران من فرض السفور وتغيير الحرف العربي إلى حرف لاتيني على طريقة أتاتورك في تركيا، فقد وقف هذا العالم الجليل في مواجهة الشاه، فنلاحظ أن نسبة كبيرة من هذه المرجعيات الدينية والعطاء العلمي للطائفة راجع إلى الأسرة الطباطبائية وهي أسرة الإمام الحسن عليه السلام.
آل بحر العلوم أيضاً كالسيد محمد مهدي بحر العلوم الذي لم يكن اسمه بحر العلوم وإنما اسمه السيد محمد مهدي الطباطبائي، فقسم يقول أن الذي أعطاه هذا اللقب هو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وكان من المشهور انه يتشرف بلقاء الإمام الحجة المهدي كما وتنقل عنه قصص في هذا المجال، بينما قسم آخر يقول بأنه فعلاً كان يلتقي بالإمام الحجة ويتشرف بذلك اللقاء ولكن الذي أعطاه هذا اللقب هو استاذه السيخ محمد مهدي الأصفهاني الذي كان في إيران وقد رأى أنه مستوعب لكافة المطالب في دقة وسرعة ولذلك قال له: أنت بحر العلوم حقاً حقا، فالشاهد هنا أن بحر العلوم وأسرته موجودة إلى الآن وهي تمارس دورها العلمي والتنويري والتثقيفي في الأمة وفي وسط الطائفة وهم حسنيون طباطبائيون، ولو أراد الإنسان أن يتتبع فهناك كتاب اسمه الطباطبائيون في العراق.
قال تعالى: (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ))، فالعبرة الاولى: هي أن ما يصنعه الطواغيت والظلمة من ظنهم أنهم باستئصال آل البيت عليهم السلام سوف ينهون وجودهم فإنهم يواهمون، فقد رأينا كيف ان أبناء الحسن الذين هُدم سجن المطبق عليهم حتى لا يبقى منهم أحداً فقد أصبحوا الآن أكثر عدداً، وكذلك في معركة فخ التي قضي على أهل البيت فيها وقطعت رؤوسهم وأبقيت جائزهم على الأرض عدة أيام ومع ذلك انتشرت هذه الأسرة الحسنية وانتقلت بين المغرب والجزائر وليبيا وغيرها، فكل مكان تضع رحلها فيه تصنع فيه شيئاً جميلاً، فينبغي على الإنسان أن يعتقد بأن ما أراده الله هو الباقي وما أراده أعداء الله هو المنتهي.
العبرة الثانية: أنها دعوة لمن كان من أحفاد الحسن المجتبى الذين ينتمون له بالنسب ولكن لم يكونوا يسيرون على منهجه في الغالب، فهي دعوة لهم حتى يعيدوا النظر لكي يرجعوا إلى نهج الحسنين ( الإمام الحسن والإمام الحسين )، فالإمام الحسين عليه السلام هو جد الحسنيين من جهة أمهم كما أن الحسن جد الحسينيين من جهة أمهم أيضاً، لذلك ينبغي أن يتحركوا في هذا الإتجاه وأن ينصحوا هؤلاء بمزيد من الإهتمام في قضية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، لا سيما من لديهم قدرة مالية ووجاهة شخصية واجتماعية وسياسية.
خلف الإمام الحسن عليه السلام للأمة هذا العطاء بالرغم من محاولات الخلفاء في استئصالهم وقتلهم، فالقصص التي ذكرنا شيء عنها في مثل مقاتل الطالبيين وغيرها هي فعلاً قصص مدمية للقلب وفيها من شدة الضغينة من قبل العباسيين لهذه الفئة المنتمية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنهم كما يقول الشاعر:
أسفوا على الا يكون شاركوا في قتله فتتبعوه رميما