تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري
ونحن على أعتاب ذكرى ميلاد أسد الله الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه نشير إلى بعض خصائصه مما يستوجب أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه واله ووصيا له وقائما بالأمر من بعده، ونستعين هنا بنصين مهمين: النص الأول منسوب إلى الخضر عليه السلام والنص الثاني يُنسب إلى الإمام الصادق عليه السلام -في رأي- وإلى الإمام الحجة في -رأي آخر-.
النص الأول نقله ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي وقال في حديث راوياً إياه بسندٍ إلى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله أنه لما توفيّ شهيداً أمير المؤمنين عليه السلام جاء رجل وقال في وسط الناس :(رحمك الله يا أبا الحسن كنت اول القوم إسلاما وأقدمهم إيمانا وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا وأخوفهم لله وأعظمهم عناءً وأحوطهم على رسول الله وآمنهم على أصحابه وأفضلهم مناقب وأكرمهم سوابق وأرفعهم درجة وأقرب من رسول الله وأشدهم به وأشبههم به هدياً وخلقاً وسمتاً وفعلاً وأشرفهم منزلة وأكرمهم عليه فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا) ثم استمر في ذكر فضائل ومناقب ومميزات أمير المؤمنين عليه السلام حتى وصلت في ذلك الموقع إلى ما يقارب من ثمانين صفةً وخصلة تفرد بها أمير المؤمنين ولم يشركه فيها غيره، فلما فرغ انصرف فسئل الامام الحسن المجتبى عليه السلام من هذا الرجل؟ نحن لا نعرفخ فقال: ( إنه الخضر عليه السلام جاء مؤبناً أمير المؤمنين وذاكراً صفاته ومعرفا به). هذا هو النص الأول.
والنص الثاني ما ورد في دعاء الندبة الذي يستحب أن يقرأ في أيام الجُمع وأيام الأعياد، دعاء الندبة معروف ومشهور بين الإمامية و الندبة تحمل معنى البكاء والتفجع وأيضا تحمل معنى الطلب والانتداب، يقول ندبه يعني طلبه في أمر من الأمور بس مع جانب في تفجع وجانب مأساة. والدعاء المشهور دعاء الندبة هو من هذا القبيل فيه تعداد للمآسي والمصائب التي جرت على أهل البيت عليهم السلام وفيه إظهار للعلاقة مع الإمام الحجة عجل الله فرجه واستغاثة به، من جملة ما يذكر في هذا الدعاء هذا النص في قوله :( فلما انقضت أيامه - يعني رسول الله صلى الله عليه واله- أقام وليه علي بن أبي طالب هاديا إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد فقال والملأ أمامه من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وقال من كنت أنا نبيه فعلي أميره وقال أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى وأحله محل هارون من موسى فقال أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ثم ساق أيضا هذا الدعاء ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه واله في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام في جهتين: في أحاديث أوردها بنصها وفي صفات أشار إليها وإن لم يوردها بنص الحديث، ثمانية أحاديث بنصها أوردها الدعاء وتسع صفات أشار إليها إشارة مثل : (وزوجه ابنته وسد الأبواب إلا بابه وأحل له من مسجده ما حل له ) إلى غير ذلك من الصفات.
هنا لدينا الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى : أن هذا النص الذي أُثر عن الخضر والذي أيضا صار جزءا من الزيارات في زيارات أمير المؤمنين عليه السلام تجد هذا النص تقريبا بكامله موجودا في تلك الزيارات، فلو راجعت مثلا كتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الطوسى رضوان الله تعالى عليه في باب زيارات أمير المؤمنين عليه السلام تجد أن هذا النص موجود ( السلام عليك يا أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا.. وهكذا إلى سائر ذلك النص وإلى باقيه)، وورد هذا النص في أكثر من مكان ورد في كتاب من لا يحضره الفقيه، في الكافي وفي التهذيب فهذه الكتب الثلاثة الأساسية التي يعتمد عليها علماء الإمامية بالإضافة إلى كتاب الاستبصار.
النص الثاني جاء في دعاء الندبة معنى هذا أيها الأخوة أيتها الأخوات أن الأدعية والزيارات لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها نصوص فقط لأجل الثواب والأجر -وإن كان هذا حاصلا- لا ريب أن من يقرأ الدعاء يحصل على الثواب ومن يزور الإمام بألفاظ يحصل على الثواب لكن هناك جهة أخرى في كلٍ من الأدعية والزيارات وهي جهة المعرفة؛ تعريف الإمام عليه السلام للناس. تصور أن صفحة واحدة فقط وهي هذه نص الخضر عليه السلام الذي جاء فيما بعد في الزيارات، هذا النص مع أنه صفحة واحدة إلا أنه يشتمل على ثمانين -أو أكثر من ثمانين بقليل- ثمانين خصلة وصفة وميزة خاصة بأمير المؤمنين عليه السلام ولو أراد إنسان أن يؤلف كتابا حول أمير المؤمنين عليه السلام فقط يكفي أن يأخذ هذا النص ويشرح ما ورد فيه من الكلمات ويستدل عليها بحديث رسول الله وبسيرة أمير المؤمنين عليه السلام .
( السلام عليك يا أول القوم إسلاما) لا يوجد أحد قبل أمير المؤمنين عليه السلام آمن برسول الله أبدا. "كنت أول القوم" رجال، نساء، صغار، كبار، عرب، غير عرب أنت اول القوم، طبعا هذا أيضا تعبير مجازي وإلا إذا معنى أول كان على دين آخر فآمن فهذا الكلام غير موجود في أمير المؤمنين أصلا. لم تكفر بالله طرفة عين غيره إذا قال أول أو ثاني أو ثالث كان على غير دين الله فأصبح على دين الله؛ أمير المؤمنين لم يكن كذلك وإنما هو الغرض منه هو إيضاح هذا الأمر.
في روايات عندنا عن أمير المؤمنين عليه السلام :( أنا أول الناس إسلاما وأقدمهم إيمانا عبدت الله قبل سائر الناس بخمس سنين) وفي رواية أخرى: ( أنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم -فاروق يعني يفرق بين الحق والباطل- لا يقولها أحد غيري إلا كان كاذبا). أنا الصدّيق صديق مبالغة من الصدق الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الذي يفرق بي الله بين الحق وبين الباطل، لو أن أحدا أخذ هذه الخصال فقط شرحها واستدل عليها بحديث رسول الله و السيرة التاريخية للإمام لجاء كتابا ضخما في مميزات أمير المؤمنين عليه السلام هذا والرجل الخضر لم يكن في صدد استقصاء صفات أمير المؤمنين وإنما في صدد إبراز ميزات أمير المؤمنين الشيء اللي تفوق به على غيره، لذلك انت ترى صيغة هذه الزيارة، صيغة هذا الكلام هي صيغة أفعل التفضيل، أحوطهم على الإسلام يمكن غير الإمام أيضا كانت له حياطة ودفاع عن الإسلام ولكن الأكثر حياطة هو أمير المؤمنين هذي ميزته، أشدهم عناءً يمكن غير الإمام أمير المؤمنين أيضا كان عانى في سبيل نشر الإسلام ونصره ولكن أمير المؤمنين بعد رسول الله هو الأشد عناءً، أكثرهم مناقب أعظمهم سوابق كله الصيغة صيغة ماذا؟ صيغة تفضيل على الغير فهي ميزات تميزه عن غيره. هذا واحد.
والطرف الآخر أيضا في دعاء الندبة اختيار هذه العبارات وهذه الأحاديث له جهة مهمة، الأحاديث الواردة في فضل علي عليه السلام أكثر من أن تحصى أو أن يحاط بها في جلسة أو جلستين وكتاب أو كتابين ولكن هنا الاختيار لاحظو كيف:( فقال والملأ أمامه من كنت مولاه فعلي مولاه) حديث الغدير تثبيته وتأكيده أي شخص مولاه رسول الله، قائده رسول الله، الذي يأمره وينهاه رسول الله فنفس ذلك المقام لعليٍّ، فإذا تبين أن شخصا لا يأتمر بأمر عليٍّ فيتبين من هذا أن رسول الله ليس مولاً له، من كان مولاه رسول الله فعلي مولاه فمن لم يكن علي مولاه فرسول الله ليس مولى له. هذا من القياسات المنطقية الواضحة اختيار حديث الغدير لما فيه من دلالات مهمة، أيضا الحديث الآخر( فقال أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى) هاي أي شجرة؟ إذا الشجرة النسبية فكل أبناء أبي طالب وأبناء عبدالمطلب يشتركون مع رسول الله صلى الله عليه و آله اذا المقصود النسب، وإذا المقصود لا هذه الشجرة التي أنا معه فيها مشتركان هي الشجرة شجرة الهداية، الثمرة التي يعطيها رسول الله هي نفس الثمرة التي يعطيها علي ابن ابي طالب لأنهما في شجرة واحدة نفس البداية، نفس العلم، نفس التوجيه، نفس الحق من هنا يصدر ومن هنا يصدر، أما إذا كانت شجرتان مختلفتان هذه تعطي ليمون وتلك تعطي حنظل مثلا أو تعطي فاكهة أخرى. لا هذه هي شجرة واحدة وتأويلها الأكبر هنا ليست الشجرة النسبية وإنما الشجرة المعنوية ولذلك قال فيما بعد : (وأحله منه محل هارون من موسى فقال أنت مني بمنزلة هارون من موسى). ماهي منزلة هارون من موسى؟ يشير إليها القرآن الكريم بطلب موسى قال هارون أخي، ماذا يصنع؟ (اشدد به أزري وأشركه في أمري). أمر موسى ماهو كان؟ الدعوة إلى الله عز وجل فهما شريكان(كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا) ذاك الوقت قال ( لقد أجيبت دعوتك يا موسى)، فهنا محله نفس المحل ( وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي) منصب الخلافة بعد النبي ومنصب المشاركة في أثناء حياة النبي مناصرة ومعاضدة وتأيدا من علي عليه السلام. وهكذا في قوله أنا مدينة العلم ( ثم أودعه علمه وحكمته فقال أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها). علم رسول الله، حكمة رسول الله، فقه رسول الله، دين رسول الله، شريعة رسول الله لها بوابة تلك البوابة هي علي ابن أبي طالب.
فأولاً هذه النصوص في الزيارات والدعاء ينبغي أن نتعامل معها تعاملاً شموليا بمعنى أن هذا الدعاء والزيارة بالإضافة إلى الثواب المترتب عليه هو مدرسة ومعرفة وفكرة لابد أن نفكر في معانيها هذه نقطة.
ونشير إلى نقطة أخرى -وإن كان البحث يطول نختصره- أن هذين النصين يشيران إلى حقيقة أنه أيها الناس إن أردتم جانبا غيبيا يرتبط بأحاديث رسول فهذه أحاديث النبي كلها تعين عليا خليفة من بعده، وإن لم تعتنوا بهذه وأردتم الكفاءات الشخصية -الترشيح العقلائي- من يمكن أن يحتل هذا الموقع؟ فمن يمتلك من الصفات الأفضل والأكثر والأحسن؟.
النص الأول يتكفل ببيان الصفات والكفاءات الكثيرة التي تميّز بها أمير المؤمنين ولم يصل إليها أحد من أصحاب رسول الله إلى جانبه، كما قلنا ثمانون صفة في صفحة واحدة ذكرها الخضر وتذكرها الزيارات، وإن أردتم الجانب النقلي والنصي والحديثي؛ فحديث رسول الله صلى الله عليه واله فيه غنىً وكفاية. ولو أردنا في هذه الأيام أن نمثل هناك شركة يراد تعيين نائب للمدير لها أو مدير مستقبلي، هذا إما أن يأتي بترشيح وتنصيص من مالك الشركة يقول فلان هو نائب المدير أو هو المدير المستقبلي وإما لو لم يكن هذا فيُنظر أكفأ الناس في إدارة هذه الشركة وأفضلهم في الصفات فهذا يكون ترشيحا طبيعيا له.
اجتمع الأمران في علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن جهة صفاته الشخصية، ميزاته، سيرته كانت تحمل التفوق والكفاءة والاستثنائية بالنسبة إلى سائر الأصحاب حتى قال بعض أعلام مدرسة الخلفاء أنه اجتمع لعلي ابن أبي طالب من الفضائل والمناقب بالأسانيد الصحيحة مالم يجتمع صحابة رسول الله صلى الله عليه واله. يعني مو نقيسه واحد بواحد وإنما نقيسه بمجموعهم يرجح عليهم علي ابن أبي طالب هذا في صفاته. هو صاحب لا فتى إلا علي وأمثال ذلك في جهاده ومناقبه وهو أيضا صاحب هذه الأحاديث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه واله.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدنا بإمامنا معرفة وأن يُكرمنا بشدة الانتماء والمحبة إليه وأن ينفعنا بشفاعته ويحشرنا في زمرته إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.