كتابة الفاضل عبد الحميد الحسني
نعزي رسول الله صلى الله عليه و آله و العترة الهادية ثم مراجع الدين و عامة المؤمنين بشهادة زين العابدين و سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين صلوات الله و سلامه عليه، نسأل الله الذي عرفنا إياه في هذه الدنيا أن يرزقنا شفاعته في الآخرة و أن يكرمنا بمرافقته إنه على كل شيء قدير، و نتحدث في هذه الليلة عن بعض ما يرتبط بشؤون إمامته و منها جانب ربما يكون لا يتم التطرق إليه بشكل كبير و هو الجانب العلمي في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام، حيث ابتدأنا مجلسنا بقصيدة للفرزدق أن غالب ، و هي تشير فيما تشير مع قصتها إلى الموقع الذي كان قد تبوأه الإمام زين العابدين عليه السلام بين الناس، و ذلك عندما ذهب عليه السلام إلى مكة المكرمة و كان يطوف فإنفرج الناس عنه سماطين حتى استلم الحجر الأسود و قبله، بينما كان هشام ابن عبد الملك وكان حينها وليا للعهد، يحاول أن يصل إلى الحجر فما كان يستطيع ذلك إلا بإبعاد الشرطة للناس عن ذلك المكان، و هذا الأمر أثار استغرابه، كيف و هو ولي العهد و نائب الخليفة لا يستطيع الوصول إلى هذا المكان بينما رجل- يزعم هشام بن عبد الملك أنه لا يعرفه- يأتي فينفرج الناس له، من يكون هذا؟ فتساءل هذا التساؤل: من هذا الرجل؟ و كان الفرزدق في الرواية حاضرا، فأجاب عليه بهذه القصيدة العصماء الميمية:
يَا سَـائِلِي أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ
عِنْـدِي بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا
هَذَا الذي تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ
وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ
هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
ثم يسائل هذا القائم مقام الخليفة:
وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ
العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ
و تبين ذلك في أمر الطواف، و هي صرخة صادقة في موضع مناسب كان انتصارا للحق، في موضع كام ينبغي أن تقال هذه الكلمة، و لما قام الأمويون بسجن الفرزدق و إيذائه ، تدخل الإمام عليه السلام في هذا الأمر في قضية مفصلة..
عن إمامته عليه السلام:
إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام تعتبر من أطول فترات الأئمة من حيث المدة، نحن وجدنا بعض الأئمة عليهم السلام كانت فترات إمامتهم قصيرة، مثلا حتى الإمام الحسين عليه السلام و هو سيد الشهداء فترة إمامته الفعلية عشر سنوات، من بعد شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى شهادته عليه السلام في كربلاء، من سنة ٥٠ه إلى أول ٦١ه، نفسه الإمام المجتبى عليه السلام أيضا عشر سنوات، من ٤٠ه إلى ٥٠ه ، و هكذا بالنسبة إلى بقية الأئمة نجد فترات إمامتهم تتراوح بين هذا المقدار أو أكثر، هناك بعض الأئمة امتدت فترة إمامتهم فترة طويلة، و من اولئكم كان الإمام زين العابدين عليه السلام، حيث استمرت إمامته الفعلية من سنة ٦١ه إلى ٩٥ه و هي على الراجح سنة شهادته عليه السلام-بعضهم قال سنة ٩٤ه و لكن كثير من العلماء يرون أنها كانت سنة ٩٥ه- فهذا يعني أن ٣٤سنة من الزمان هي فترة إمامته صلوات الله وسلامه عليه، بطبيعة الحال كلما طالت فترة وجود الإمام عليه السلام بين الأمة، أمكن له أن يعطي للأمة أكثر من معارف الدين و من تقريب الأمة إلى الله عزوجل، و لذلك كان هؤولاء الخلفاء الظلمة لولا تدخلهم في إنهاء حياة أئمتنا عليهم السلام، لكانت الأمة تنتفع الإنتفاع الأكبر من وجود أئمة الهدى عليهم السلام، الإمام زين العابدين عليه السلام أيضا استشهد بالسم، بتخطيط الوليد ابن عبد الملك و كان كما يصفه المؤرخون، كان جبارا، رجل شرس فاتك، فأوزع إلى واليه بالمدينة بأن يسم الإمام السجاد عليه السلام، قضية السم عندما تطرح في موضوع أئمة الهدى عليهم السلام و أن الأئمة عليهم السلام قد تم اغتيالهم بهذه الطريقة غالبا، لا ينبغي أن تستغرب لماذا؟! لأن موضوع الاغتيال بالسم أصبح طريقة و سنة بداية من العهد الأموي و استمر هذا إلى نهايات الدولة العباسية، يعني اول من اختك هذا كان معاوية ابن أبي سفيان، هذا بداية التأسيس للدولة الأموية و في السنوات الأولى، يعني في حوالي شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أي من سنة ٤٩ه فصاعدا، قبله أيضا مارسه مع مالك الأشتر النخعي، كلف من يدس له السم و هو في طريقه متوجها إلى مصر لكي يتسلم ولايتها و حكومتها من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يعني قبل سنة ٤٠ ه ..ارسل معاوية إلى أحد الدهاقين-الإقطاعيين- في الطريق و وعده بالأموال و أنه إن ظهر على مصر لن يأخذ منه خراجا، المقابل عندما يمر في طريقه مالك الأشتر يقدم له طعاما مسموما و ينتهي الأمر، و هذا ما حصل بالفعل.. في زمان الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، اغتال الإمام عليه السلام بواسطة زوجته جعدة، و اغتال عبد الرحمن ابن أبي بكر لأنه كان معارضا لتولية يزيد ، و اغتال سعد بن أبي وقاص الزهري، أيضا بالسم، لأنه كان يعتقد أنه مع وجود هؤولاء الذين يعدون كبارا من صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله، لا يمكن أن يقبل الناس بتولية يزيد و هم موجودون..و عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد أيضا اغتاله بالسم و هو من أشد أنصاره، و واليه على حمص و مقاتل شرس ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في صفين، بل لأنه معاوية سأل أهل حمص إذا أن كبرت من ترون أولي العهد؟ فقالوا: هذا عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد ناصرك وتعاطف معك و قاتل دونك و الناس يحبونه و إلى آخره و والده فلان، فقال معاوية هذا أيضا مزاحم فأرسل إليه طبيبا قصده بريشة مسمومة فكانت نهاية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فهذه كانت سنة، فيما بعد وجدت السلطة الأموية أن هذا الطريق أسهل الطرق و اخفاها أيضا، لاسيما في تلك الفترات ليس كما هو الآن يتم تشريح للجثة و الكشف عنها و ما شابه ذلك، فلما يقال أن الإمام السجاد عليه السلام أو الإمام الباقر عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام فيما بعد في زمان العباسيين، قد أغتيلوا بالسم فهذا هو الامر الطبيعي، لاسيما و أن هؤولاء الحكام كانوا يقولون قبل ذلك، بعضهم يعبر عن الإمام بهذا الشجا المعارض في حلقي-عظم بحلقه لا ينزل و لا يقدر على إخراجه-أو ذاك الآثم الوليد بن عبد الملك يقول : لا راحة لي و علي بن الحسين على قيد الحياة في هذه الدنيا!! مما يعطي إشارات عن نوايا أولئك الحكام الظلمة..
المهم أن إمامة الإمام عليه السلام مع طولها النسبي الذي استغرق حوالي ٣٤سنة، لولا أنه تم إنهاء حياته بهذه الطريقة الغادرة بتسميمه، ربما كان عطاؤه سيكون أكثر و أفضل، حيث المدة ستكون أطول..
الإمام السجاد عليه السلام يتكلم عنه عادة في محاور كثيرة منها:
1. المشهور و المعروف توجهه إلى تربية الأمة على التقرب من الله عز وجل فيما يرتبط بالدعاء و مفردات العلاقة الروحية مع الله سبحانه وتعالى، مختصر هذا الكلام هو أن الإمام السجاد عليه السلام وجد أن مخططا من أعلى مستويات الدولة الأموية يهدف إلى إفساد أخلاق الأمة و تمييع دين الأمة و إشغالها باللهو و الطرب و الشهوات، تتصور أن في المدينة المنورة الاي كانت قبل تلك الفترة أصوات القرآن و التلاوات والدروس تتصاعد من المسجد النبوي و مما جاوره من البيوت، فأصبحت الألحان و الغناء و كانت عندهم المغنيات من مولدات المدينة لديهم منزلة خاصة ، جواري يولدن هناك و يتعرضون إلى تربية على الغناء و دورات و كذا، يعطى عليهن أموال طائلة و صارت مدارس في الغناء يتعلمون فيها الألحان و الأوتار، إذا تريد التفصيل فعليك بإطلالة على كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، و انظر ماذا كان يجري في المدينة ..أهذه طيبة؟! هذه التي يفترض أن تنطق كل ذرة من حبات رملها بما نزل فيها من القرآن و بما سمعت من كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و بما شهدت من تضحيات المسلمين، أصبحت مسرح غناء، و هذا ما كان عمل عبثي أو عفوي، بل كان مخطط إليه و مبرمج، حيث كان المغنون محميين من قبل الدولة و كانت الأموال تصرف بسخاء في هذا الجانب، من الطبيعي أن إثارة الشهوات تتنافى و تتعاكس مع العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، كلما اتجه الناس إلى الغناء و اللهو و الطرب و العلاقات بين الفتيات و الشباب-و هذه لها الكثير من الحديث- بنفس المقدار يتم الابتعاد عن العبادة و التدين و الإيمان، بالإمام السجاد عليه السلام في مواجهته لهذا المخطط الأموي المرسوم و المنفق عليه بسخاء، اشتغل على أساس أن يرجع علاقة الناس مع الله سبحانه وتعالى بتعليمهم طرق التواصل و التوصل إلى الله عزوجل، بين الإنسان و الله عز وجل يحتاج أنه يعبد الطريق، و كان الإمام السجاد عليه السلام في هذا المعنى الرائد فيه..
2. يذكر أيضا عن الإمام عليه السلام عندما يتحدث عن قضية كربلاء و إبقاء جذوة المأساة الحسينية بمختلف الوسائل و الأساليب، و يستطيع الإنسان أن يشبه جسد الأمة في ذلك الوقت بأنه كان بلا قلب، قلبها انتهى، كانت تحتاج إلى إعادة الحياة إلى قلبها، بإبقاء الجذوة الحسينية و الحزن على الحسين و ذكر الحسين حتى تستعيد من جديد قلبها الذي فقدته، و هذا له حديث خاص..
3. الجانب العلمي في حياة الإمام السجاد عليه السلام:
الجانب العلمي من الجوانب المهمة في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام ، و التي يقل التعرض إليها مع أهميتها الفائقة، و أهمية هذا الجانب من جهتين:
أ. ما يرتبط بتعليم و تدريس الإمام عليه السلام العلماء من أتباع مدرسة الخلفاء من جهة. الإمام السجاد عليه السلام كان واضع الأسس الحقيقية للنهضة الثقافية و الفكرية التي سوف يبدأها الإمام الباقر عليه السلام ( من المعلوم أن الإمام الباقر عليه السلام بقر علوم الأولين و الآخرين، و في عهده انتشر علم جده رسول الله محمد صلى الله عليه و آله و سلم..اللهم صل على محمد وآل محمد، و تكامل ذلك كله في زمان الإمام الصادق عليه السلام، حيث انتشر في هاذين العهدين كل ما ورثاه من علم رسول الله صلى الله عليه و آله) من هو الذي ربى الإمام الباقر عليه السلام و أحدث فيه هذا العلم، و من درسه و من أعطاه كل ذلك العلم؟؟ المؤسس كان الإمام السجاد عليه السلام، هذه جهة لها حديثها الخاص..
ب. الجهة الأخرى هي تأثير الإمام السجاد عليه السلام في مدرسة الخلفاء، في المدينة المنورة من الناحية التاريخية لا تحسب على أنها شيعية، حتى أنه قد ورد في بعض كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام مما ينسب له سلام الله: "ما بالمدينة عشرون بيتا يوالينا أهل البيت " هذا تعبير على ان هذه البلدة توجهها العام لم يكن توجها إلى أهل البيت عليهم السلام و إنما إلى غيرهم، بخلاف بعض المناطق التي توصف بأنها شيعية مثل الكوفة، لاسيما في الزمن المتأخر أيام الإمام الباقر عليه السلام فصاعدا..
من تلامذة الإمام السجاد عليه السلام في مدرسة الخلفاء
في المدينة المنورة كان التوجه العام الفقه و العقائد و العلم هو توجه لمدرسة الخلفاء، الإمام زين العابدين عليه السلام جاء ضمن هذا الوضع ففتح أبواب العلم على هؤولاء، و انفتح عليهم بحيث جاء إليه طلاب و علماء تلك المدرسة و أخذوا عنه، على سبيل المثال:
١. نأتي لأهم علماء المدرسة الأخرى في زمان الإمام السجاد عليه السلام و هم يعدون كذلك محمد ابن مسلم ابن شهاب الزهري، يصفه أتباع المدرسة الأخرى مع وجه الأرض -كما يقولون-أعلم من محمد ابن مسلمين شهاب، لكن نفسه يأتي و يجلس عند الإمام السجاد عليه السلام و يأخذ منه و الإمام عليه السلام لا يمنع من ذلك و حتى و إن كان لا يؤمن بإهانة الإمام، لكن أن يسمع أمرا دينيا صحيحا و حكما شرعيا سليما -سالما- خير من ان يتخبط في غير ذلك الاتجاه، فكان هذا الرجل يأتي كثيرا إلى الإمام السجاد عليه السلام و الإمام عليه السلام يفيض عليه من العلم، من ذلك كمثال: أنه ذات مرة دخل محمد بن شهاب الزهري على الإمام السجاد عليه السلام فسأله الإمام عليه السلام: أين كنت؟
قال: كنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و قد تباحثنا في موضوع الصوم فقر رأينا أنه لا شيء واجب في القرآن على المسلم من الصوم إلا صوم شهر رمضان، ثم قلنا أن هناك صيام مستحب ورد في السنة.
فقال له -ما أثار دهشته-: "يا محمد الصوم على أربعين وجها..-اندهش محمد بن شهاب الزهري، و نحن فقهاء نتباحث في المسجد و نقر على ان الصوم الواجب على المسلم في القرآن فقط شهر رمضان- فقال الإمام عليه السلام: عشرة أوجه واجبة، عشرة أوجه حرام، أربعة عشر وجها صاحبها بالخيار و ثلاثة أوجه تأديب و صوم السفر والمرض و الكفارة" فهذه أربعون وجها، فهذا كان مندهش جدا!! قال: يا ابن رسول الله بين لي ذلك من القرآن الكريم. فأخذ الإمام عليه السلام يبين تلك الوجوه واحدا واحدا و يستدل عليه بآيات القرآن الكريم، أمام دهشته و أولئك فقهاء أيضا قارئون و حافظون القرآن وإنما يعرف القرآن من انزل في بيته، فهذا مثلا من النماذج الاي كانت تأتي و تأخذ العلم من سيدنا الإمام زين العابدين عليه السلام.
٢. سعيد بن المسيب يختلف الرجاليون فيه، هل كان يؤمن بإمامة الإمام السجاد عليه السلام أو لم يكن يؤمن يعني من اتباع المدرسة الأخرى، و لكنه كان ملتصقا بالإمام عليه السلام و يأخذ عنه العلم، فهناك إختلاف حتى بين رجاليينا نحن ، بعضهم يقول هم من أولياء أهل البيت عليهم السلام و بعضهم يقول لا، ليس من هذا المنهج و لا يؤمن بإتباعهم و لكن حاله حال الأشخاص الذين يجدون هذا العلم عن أهل البيت عليهم السلام هو أحسن العلم فيأتون فيأخذون منه، هذا سعيد بن المسيب يقول : ما كان القراء يخرجون من المدينة إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين و يصحبونه في الطريق و يأخذون عنه، و لقد خرجنا معه و نحن ألف..يعني الإمام السجاد عليه السلام لما يطلع من المدينة المنورة بإتجاه مكة القراء و الذين هم المفسرون و العلماء بالدين يتحينوا متى يريد الإمام عليه السلام يطلع حتى يرافقونه و يأخذون عنه العلم و المعرفة، يقول هذه الرحلة التي كنا معه كنا ألف واحد، حتى لو مائة واحد من العلماء و الفقهاء هو شيء كبير جدا، و هو يبين منزلة و مكانة الإمام السجاد عليه السلام في ذلك الوقت الذي كان العلماء يتحينون فرصة خروجه حتى يخرجوا، لذلك الغرابة في قضية الطواف بالكعبة أن الناس انفرجوا له عليه السلام سماطين، إذا كان ألف شخص يرافقونه و هم يعرفون منزلته حتى لو ما كانوا من شيعته،هم جزء من هؤولاء و أمثالهم فينفرجون احتراما و تكريما للإمام عليه السلام. إذن سعيد بن المسيب واحد ممن أخذوا عن الإمام السجاد عليه السلام كما ورد في الرواية كما في الكافي:" أنه كان من ثقات علي بن الحسين أبوخالد الكابلي وسعيد بن المسيب و القاسم بن محمد ابن أبي بكر".
٣. هذا من الفقهاء الكبار في المدرسة الأخرى القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه معتبر و هو يكون والد زوجة الإمام الباقر عليه السلام أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، ابو بكر الخليفة معروف محمد الذي نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (محمد ابني من صلب أبي بكر) و ولاه مصر و تمت تربيته على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لأن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام تزوج أمه أسماء بنت عميس و كانت قد ولدت به، و لذلك هو محمد بن أبي بكر و عبد الله بن جعفر الطيار و عون بن علي بن أبي طالب، إخوان ثلاثة من أم واحدة و من آباء متعددين، لأن أسماء بنت عميس كانت زوجة لجعفر الطيار ثم صارت لأبي بكر ثم تزوجت بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و أنجبت منهم جميعا فهؤولاء إخوة من أم واحدة و آباء متعددين، إبنه هو هذا القاسم إبن محمد إبن أبي بكر عنده بنت تسمى أم فروة تزوجها الإمام الباقر عليه السلام و ولدت الإمام جعفرا الصادق سلام الله عليه، و في الرواية عندنا كما نقله في الكافي:"و كانت أمي ممن آمنت و اتقت و أحسنت و الله يحب المحسنين" هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر واحد من فقهاء الإسلام و كان يأخذ أيضا عن الإمام زين العابدين عليه السلام العلم و المعرفة.
٤. سعيد ابن جبير الذي قتله الحجاج بن يوسف الثقفي-لعنة الله عليه-، سعيد بن جبير معترف به عند الطائفتين كفقيه معتبر، عندنا كما في الروايات انه كان يأتم لعلي بن الحسين عليه السلام، و أن الحجاج قد قتله على هذا الأمر، يعني بسبب اعتقاده بالإمامة، عند المدرسة الأخرى يعتبرونه واحد من أكابر علماء التفسير و القرآن الكريم و قضيته معروفة لما استدعاه الحجاج الثقفي في الحملة التي شنها على موالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عليه السلام، و سأله: هل ترى أن أبا بكر و عمر و عثمان في الجنة أو في النار؟ - هكذا طريقتهم، يريد توريطه في كلمة ثم يقول لهذا قتلته- لكن الرجل- سعيد بن جبير- كان ذكيا، فقال له: ما دخلت الجنة حتى اعرف من فيها و ما دخلت النار حتى اعرف من فيها، قال: من تراه افضل من هؤولاء؟ فأجابه: أفضلهم أطوعهم لله و أعملهم بالواجبات، المهم ما أعطاه مجال إلى أن أمر بقتله، و كان بحسب الرواية قتله على هذا الأمر أي على الإمامة، هذا سعيد بن جبير كان ممن يأخذ عن الإمام زين العابدين عليه السلام و يتتلمذ عليه..
عدد كبير من العلماء و من الفقهاء كان الإمام زين العابدين عليه السلام يعطيهم العلم و المعرفة و يبصرهم، على الأقل هؤولاء اذا ما كانوا يأتمون به و ما كانوا يؤمنون بإمامته، قسم من معلوماتهم تكون مستندة إلى الوحي و إلى العلم الصحيح..
شهادة الإمام السجاد عليه السلام:
ذلك دور كان مهم جدا قام به الإمام السجاد عليه السلام، لذلك نرى أن قسما من الآثار الباقية في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام و فضائل أهل البيت عليهم السلام جزء منها راجع إلى لهذه الفترة التي درس فيها الإمام زين العابدين عليه السلام أولئك الأشخاص، طبعا مثل هذا لا يريح الحاكمين الظالمين و الطغاة الأمويين ، هؤولاء يريدون أن يعبثوا بالأمة كيفما يريدون فإذا واحد يريد أن يبصرها في أحكام دينها من جهة العلم و يقربها إلى ربها من جهة العبادة و يبقي قلوبها حية بذكر الحسين عليه السلام، كيف لهم أن يتحملوا مثل هذا، لذلك آثر عن هذا الوليد بن عبد الملك الأموي -لعنة الله عليه- الذي كان هو و أبوه عبد الملك بن مروان من أشرس الخلفاء الأمويين، أثر عنه أنه كان يقول: (لا راحة لي و علي بن الحسين على قيد الحياة في هذه الدنيا ) لأن الإمام السجاد عليه السلام وجوده كان يذكر بالإمام الحسين عليه السلام و بقضية كربلاء، و يذكر بالتالي بظلم الأمويين و جرائمهم و هو أيضا كان إذا لم يلتفت هؤولاء إلى قضية كربلاء كان يثيرهم، معروف هذا، كان يذهب إلى السوق، أي شيء يلفت نظر الإمام عليه السلام فإذا به يربطه بكربلاء، يرى رجلا غريبا في المدينة المنورة، فيقول له: أيا هذا إلا تخشى و أنت غريب أنك اذا مت لا أحد يقوم بتجهيزك، تبقى جنازتك معطلة، فيقول ذاك الرجل: سبحان الله و أين المسلمون؟!
من واجب المسلمين على بعضهم البعض أن اجهزوا بعضهم بعضا، لو مت أنا عندي قناعة أن هناك من المسلمين من سيقوم بأمري، فتدمع عينا زين العابدين عليه السلام، و يقول لكن والدي الحسين بقي ثلاثة أيام على رمضاء كربلاء معطلة جنازته لم يدفن، و لم يصلى عليه و بقي هكذا على الرمضاء تسفي عليها الرياح الذاريات، و أمثال هكذا من المواقف عندما يرى شخصا قصابا يخاطب غلامه هل سقيت هذا الكبش ماءا قبل أن تذبحه، فيقول له: بلى و هل لي أن أفعل ذلك هذا لازم هذا من تقاليدنا من الأمور المطلوبة، فتستوقف هذه المسألة الإمام عليه السلام يعيد السؤال عليه، فيقول نعم نحن معاشر القصابين لا نذبح كبشا حتى نعرضه على الماء، و نرويه قبل أن نذبحه، فيقول عليه السلام بلسان الحال:
لا يذبح الكبش حتى يروى من ضمأ
و يذبح ابن رسول الله عطشانا
ويل الفرات أباد الله غامره
و رد وارده بالرغم لهفانا
بقي إمامنا على هذه الحال إلى أن أمر اللعين الوليد بن عبد الملك واليه على المدينة أن يدس إلى إمامكم سما قتالا نقيعا،