كتابة الفاضلة هديل الزبيدي العراق
نتحدث في إطلالة موجزة عن حياته وبعض شؤونه ، وقد علمنا أننا لا نستطيع ان نحيط بتلك الحياة وبتلك السيرة العطرة والمباركة فإن هذا الإمام العظيم كان بحرا من الفضائل والمناقب والعلم والمعرفة والأخلاق والمناجاة لله عز وجل مما يحتاج معه الكثير من الوقت والجهد للتعرف على كامل حياته وسيرته ولكن لا يترك الميسور بالمعسور مادمنا في ذكرى شهادته صلوات الله وسلامه عليه ، فلنتحدث عن بعض شؤونه
امامته
امامة الامام السجاد صلوات الله وسلامه عليه أو زين العابدين او سيد الساجدين وهذه الألقاب لم تعطى اعتباطا ، وإنما ورد في الروايات من طرق الإمامية
{إذا كان يوم القيامة نادى مناد عن الله عز وجل أين سيد العابدين فيقوم ولدي على بن الحسين يتخطى الرقاب } هذه الرواية عن النبي محمد صلى الله عليه وآله ، فهذا ليس لقبا اعتباطيا او من شخص عادي .
امامة الامام زين العابدين عليه السلام وسيد الساجدين تعتبر من فترات الامامة الطويلة بالقياس لسائر الائمة المعصومين عليهم السلام فانها تبدأ من يوم شهادة الامام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم سنة إحدى وستين الى سنة شهادته في الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ٩٥ أو ٩٤ على بعض الروايات وبهذا المعنى هي تتراوح بين ٣٣ و٣٤ سنة وهي فترة طويلة جدا بالقياس الى سائر المعصومين نحن نعلم ان قسما من المعصومين عليهم السلام امتدت فترات إمامتهم الى هذا المقدار وهم الاقل ومن اولئك كان الإمام زين العابدين عليه السلام ، بطبيعة الحال عندما يتسع الوقت للإمام المعصوم سيكون عطائه اكبر واكثر مما لو كانت تلك الحياة قد اختصرت بظلم الظالمين مع أن الإمام السجاد ايضا انتهى عمره وانقضت حياته مسموما شهيدا بواسطة طاغية عصره الوليد بن عبد الملك المرواني الأموي عندما أمر واليه على المدينة بأن يدس السم للامام عليه السلام فانقضت حياته بذلك ، بالطبع نحن لا ينبغي أن نستغرب من تسميم هذا الوالي للامام عليه السلام فإنه في زمان الدولة الأموية والدولة العباسية يوضح لنا بعض الامور اصبحت قضية الاغتيال بالسم من أيسر الأمور ، حتى قال قائل مؤسس هذه الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان (ان لله جنودا من عسل) وكان قد تخلص من عدد من المنافسين ليزيد بل لمعاوية فقد تخلص من الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وتخلص من عبد الرحمن بن أبي بكر ومن مالك الاشتر وسعد بن أبي وقاص وغير هؤلاء مما ذكر في أحوالهم وكل ذلك على طريقة إن لله جنودا من عسل كما زعم القائل .
امامة الامام زين العابدين عليه السلام وان كانت طويلة إلا أنها انتهت باغتياله على يد السلطة الأموية وبتنفيذ والي المدينة من قبلهم في هذه الفترة تنوعت وتعددت اعمال الإمام عليه السلام ولعله تمت الاشارة اليها في مواضع مختلفة ونحن في هذه المناسبة نتكلم عن موضوع ليس كالمعتاد الذي يتكلم فيه عادة وهو مفيد ايضا تذكر هذا المعنى في شهادة الامام زين العابدين عليه السلام من قضية ظاهرة البكاء والحزن واحياء وابقاء المأساة الحسينية حتى تبقى ساخنة في الأمة وتحرك الامة باتجاه تغيير الفساد وجعل الحسين عليه السلام قدوة ومثلا اعلى هذا من الأمور الجيدة التي ينبغي التذكير بها باستمرار وهكذا الحال في الحديث عن التوجيه الأخلاقي والروحي وربط الناس بعبادة الله عز وجل الأمر الذي لم يكن قبل الإمام زين العابدين بل ولا بعد الإمام زين العابدين بهذا المقدار من التركيز والاهتمام والتوجيه فإنه عليه السلام رأى أن السياسة الأموية تتجه باتجاه إفساد الأمة وإبعادها عن ربها واشغالها باللهو والعبث واللهو والطرب وسائر الأمور الحد الذي كان أمر الغناء والطرب والتظاهر فيه في المدينة المنورة هو الصوت الأعلى ولعل من يرجع الى كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني وغيره من الكتب يتعجب من حجم اللهو والفساد العمل الذي تم من قبل الأمويين بحيث تحولت ازقة المدينة ولياليها وبساتينها الى منشأ لتربية المغنيات والمغنين وحاضرة للغناء والطرب ، هذه المدينة التي شهدت غزوات رسول الله وجهود النبي واصحابه في تشييد الاسلام وشهدت تنزل القران الكريم حتى لو ارادت كل حبة تراب ان تتكلم لقالت ما سمعت من القران الكريم ومواعظ رسول الله صلى الله عليه واله هاهي الان تعزف على الاوتار تتغنى بأنغام الحان هؤلاء المغنين وكم من هؤلاء اشتهروا رجالا ونساءا وغير ذلك ، فكان طريق الامام عليه السلام في هذا الصدد ان يربط الامة بخالقها من خلال الدعاء والمناجاة وتعليم الطريق في كيفية التخاطب مع الله عز وجل وان العلاقة مع الله سبحانه وتعالى لا تقتصر على خمس صلوات في اليوم لاتستغرق بمجموعها الساعة الواحدة وانما ينبغى ان يكون للعلاقة مع الله والتوجه اليه ومخاطبة الباري سبحانه وتعالى النصيب الاكبر .
سوف نتعرض الى جهة اخرى فيما يرتبط بحياة وامامة الامام زين العابدين عليه السلام وهي الجانب العلمي في حياة الإمام سلام الله عليه .
علمه عليه السلام
نحن نعلم ان ائمة اهل البيت عليهم السلام كعقيدة نعتقدها الإمامية هم أعلم البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه لا يوازيهم ولا يضارعهم أحد في ميدان العقيدة والشريعة وهذا بالإضافة إلى أنه عقيدة نعتقدها تم البرهنة عليها عمليا خلال ٢٥٠ سنة من الزمان حيث لم يعثر ولا على مورد واحد أن إمام من ائمتنا عليهم السلام قال مثلا في الحكم الفلاني انا لا أعلم أو أخطأ فيه أو استطاع أحد من كبار الفقهاء مع جمع الخلفاء والحكام لهؤلاء العلماء في موارد متعددة في زمان الأمويين او العباسيين لم يعثر على مورد واحد قال فيه إمام من أئمتنا انا لا اعلم هذا الحكم او لا اعرف هذه المسألة ، وقد أشار امامنا الصادق عليه السلام الى هذا المعنى عندما سأله هشام بن الحكم وقد تعجب من إحاطته في فنون من العلم غير معهودة عند الفقهاء كالفلسفة مثلا وأمثالها فسأله من أين لك هذا التفسير نحن نعرف ان ابائك كانوا هكذا نفس الكلام ، أحكام الدين ، هذا الموضوع الفلسفي الدقيق الذي هو غريب على الناس من أين لك معرفته فقال له الإمام عليه السلام قاعدة { إن الله أعدل من أن يفترض امامة إمام على الناس ثم لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه } الإمام الإلهي ضمن الامامة الالهية لابد ان يكون لديه من العلم كل ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم وحياتهم والتحديات الثقافية التي تواجههم وهكذا كان أئمتنا عليهم السلام ، ربما كان بعض العلماء في ذلك الوقت يلتفتون إلى هذه الجهة فيأخذون عن أئمتنا عليهم السلام العلم والمعرفة وربما يبعدهم عن ذلك مواقف سياسية او مواقف نفسية أو أمور مذهبية فيحرمون أنفسهم من علم آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم مع ذلك وجدنا أن في زمان الإمام زين العابدين عليه السلام وهو الزمان الذي نعتقد انه فيه بدأ بانشاء ارضية المدرسة الفقهية و العقائدية الشيعية التي سوف ينشرها من بعده (الإمام زين العابدين) الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام والامام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه ، الأسس كانت في زمان الإمام السجاد سلام الله عليه ثم التأسيس والتنمية يعني في زمان الإمام الباقر والنشر والتبليغ كان في زمان الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ، بل يمكن القول أن أهم فقهاء المدينة في ذلك الوقت من التابعين كانوا عيالا على مدرسة الإمام السجاد عليه السلام وعلى علمه ، فهو في موارد معينة كان يرشد ويوجه ويعطي وفي موارد أخرى كان ينتقد توجهات دينية ومذهبية ،سنورد على ذلك قسما من الامثلة .
ثم ممن يذكر من أعاظم فقهاء المدينة هو القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي ويذكر أيضا سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن البصري وسعيد بن جبير وغير هؤلاء سنأتي على ذكرهم ، هؤلاء وغيرهم بشكل من الأشكال كانوا يأخذون عن الإمام السجاد عليه السلام عندما نقول يأخذون عنه ليس بالضرورة يؤمنون بما نعتقد به في الإمام عليه السلام ، نحن نعتقد في الامام السجاد إمام مفروض الطاعة من قبل الله عز وجل منصوص عليه من قبل رسول الله ثم أمير المؤمنين ثم الإمام الحسين عليه السلام وأنه ورد اسمه في صحيفة فاطمة التي قرأها جابر بن عبد الله الأنصاري وجابر هو أحد أولئك الأشخاص الذين أخذ عن الإمام زين العابدين عليه السلام ، ربما بعض هؤلاء يعتقدون بعلم الإمام ويقرون به ولكنهم لأسباب مختلفة لا يؤمنون بإمامته ، مثال على ذلك محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الذي يصفه بعض مؤلفي المدرسة الأخرى من أهل السنة يقول ما على وجه الأرض أعلم من محمد بن مسلم بن شهاب الزهري( كما يقولون) في زمانه نفسه هذا محمد بن مسلم كان يقصد الإمام زين العابدين عليه السلام ويأخذ عنه ويسأله بل قيل إنه كان قد ارتكب حكم القتل على شخص في زمن قضائه عند بني أمية وكان بمثابة قاضي القضاة ومقربا منهم فقنط ويأس واعتكف واعتزل فأخبره الإمام زين العابدين عليه السلام أن القنوط من روح الله هو ذنب أعظم من ذنب الخطأ في القضاء ، وهذا الشخص محمد بن مسلم بن شهاب ينقل عنه
{دخلت على علي بن الحسين السجاد عليه السلام فأخبرته بأننا كنا نتباحث حول وجوه الصوم ، كان عادة فقهاء المدينة يتباحثون عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وأحيانا إذا رأوا الإمام السجاد عليه السلام يأتون إليه فقال له الإمام عليه السلام فيم كنت ؟ وأين كنت ؟ قال كنت في مسجد رسول الله مع فقهاء أهل المدينة (اختصر الرواية لا يسع الوقت لذكرها بالنص) فتجادلنا في وجوه الصوم الوجه الواجب في الصوم إنما هو في صوم شهر رمضان هذا هو الواجب وتطرق بنا الأمر الى بعض وجوه الصوم فماذا تقول يابن رسول الله ؟
فقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام للزهري ….
إن الصوم على أربعين وجها عشرة منها واجبة ، وعشرة منها حرام ، واربعة عشر صاحبها فيها بالخيار بين الصوم وبين تركه وصوم الاذن هو على ثلاثة أقسام وصوم التأديب والسفر والمرض .
فهذه أربعون وجها من وجوه الصوم يعني الواجب عشرة وليس واحدا كما توصلتم إليه وأنه ينحصر بشهر رمضان فقال له يابن رسول الله بين لي ذلك فأخذ الإمام عليه السلام في بيان تفاصيل هذه الوجوه الأربعين للصيام من واجب وحرام وما كان فيه بالخيار و صوم تأديب وما غير ذلك .
تتصور أن جماعة من الفقهاء قد اجتمعوا وكل واحد منهم يوصف هذه الأوصاف التي ذكرناها كما في بعض كتب المدرسة الأخرى ولكنهم يقر رأيهم على هذا الامر فاذا بجواب الإمام زين العابدين بهذا المستوى بين ما يقول أن الواجب واحد وبين كلام الإمام أنه عشرة أوجه و كل وجه أورد عليه دليلا من القرآن الكريم ولمن أراد التفصيل يرجع إلى ما ذكر في حياة الإمام السجاد من تفصيل هذه المسألة هذا واحد من الفقهاء من فقهاء المدرسة الاخرى وقد اخذ وتعلم من الامام عليه السلام .
سعيد بن جبير عند الاخوة من اهل السنة يعتبر من أعاظم فقهاء التابعين وأخذ العلم عن عبدالله بن عباس وعن غيره في رواياتنا انه كان يأتم بعلي بن الحسين عليه السلام وأنه قتل على هذا الأمر يعني قتل على ولايته لأهل البيت عليهم السلام بواسطة الحجاج بن يوسف الثقفي كان عالما كبيرا لاسيما فيما يرتبط بتفسير القرآن وفي الفقه وحفظه العظيم وهو كما قلت عند المدرسة الاخرى معظم ومجلل ويستشهد بكلماته وينظر الى فتاواه نظرة اعتبار هذا عندنا انه كان يأتم بعلي بن الحسين وكان يأخذ عنه بل انه صار شهيدا على يد الحجاج لولائه للامام زين العابدين عليه السلام ، الحجاج في فورة سعاره على من كان يعتقد بأمير المؤمنين عليه السلام استدعى سعيد بن جبير وعلى عادة هؤلاء الطواغيت عندما يريد ان يقوم بعمل اغتيال لشخص يحاول أن يظهر حجة عليه أمام الناس فقال له انت شقي بن قسير، قال امي اعلم بي حين سمتني سعيد بن جبير ، قال ما تقول في أبي بكر وعمر وعثمان هم في الجنة ؟ ام هم في النار ؟
فقال له لم أدخل الجنة حتى اعرف اهلها ولم اذهب الى النار حتى اعرف من دخل إليها ، قال ايهم أفضل ؟ فقال افضلهم أطوعهم لله عز وجل ، قال لم تصدقني في ذلك ، قال لم أرد أن اكذبك ، فبدأ هكذا يحاول استدراجه أن يقول كلمة ما من الكلمات تكون مبررا لقتله فلم يعطها إياه سعيد بن جبير واخيرا قال لجلاوزته أن يقتلوه ، هذا عالم كان يأخذ عن الإمام وله عنه روايات تروى في كتاب مسند الإمام علي بن الحسين عليه السلام للشيخ عزيز الله عطاردي أورد تلك الروايات .
من اولئك ايضا القاسم بن محمد بن أبي بكر وهو جد الإمام الصادق عليه السلام من جهة أمه كان القاسم فيما ورد في كتاب الكافي مرويا عن الإمام الصادق عليه السلام عده من ثقات علي بن الحسين عليه السلام ففي الرواية هكذا أبو خالد الكابلي والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسعيد بن المسيب والاخير سنشير إليه باختصار ، فالقاسم الذي عد من فقهاء المدينة الكبار ومن الرواة المعتبرين عند المدرستين تجد هذا يوصف في رواياتنا أنه كان من ثقات الإمام زين العابدين عليه السلام و ابنته أم فروة هي والدة الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه وعليها وهي زوجة الإمام محمد بن علي الباقر سلام الله عليه فكانت بينه وبين الإمام السجاد مصاهرة من خلال محمد الباقر الذي تزوج ابنته وكان الامام الصادق يمدحها مدحا كثيرا يقول كانت أمي ممن آمنت واتقت والله يحب المتقين و روت عن الباقر عليه السلام في نفس هذا الخبر { أن أبا جعفر يعني الإمام الباقر كان يقول إني لأستغفر لشيعتي في اليوم والليلة ألف مرة لانهم يصبرون عن مالايعلمون ونصبر على ما نعلم }
فهذا القاسم ممن أخذ العلم عن الإمام زين العابدين عليه السلام .
سعيد بن المسيب وإن كان فيه نقاش بين الرجاليين انه بماذا يوصف في النهاية ولكن لا ريب أنه أخذ عن الإمام زين العابدين عليه السلام لكن هل كان من أوليائهم ؟ أم هل كان من الذين يأتمون بالإمام عليه السلام ؟هل كان من شيعتهم ؟ أو ليس كذلك والكلام فيه متعارض عند الرجاليين لكن الشيء الذي لا تعارض عليه هو أنه قد أخذ عن الإمام عليه السلام وتعلم على يده هذا من أعيان المدرسة الاخرى ، بعضهم عندما كان يتصدى من غير كفاءة ويلقي بأمور غير مناسبة كان الإمام عليه السلام يرشده الى ما هو صحيح ومن أولئك كان الحسن البصري .
الحسن البصري يظهر من الروايات أن منهجه لم يكن مرضيا عند ائمة الهدى عليهم السلام ولذلك عندنا اكثر رواية تشير الى ان الامام زين العابدين عليه السلام كان إذا رآه في موضع يعظ فيه كان يتوجه إليه باللوم والعتاب نورد من ذلك موردين :
المورد الأول ما كان عند الحجر الأسود ففي رواية أن علي بن الحسين عليهم السلام رأى الحسن البصري وهو يقص عند الحجر الأسود وهنا يتبين أن موقف الأئمة من فكرة القصاصين من أوائل الأيام من سنوات عشرين هجرية فصاعدا كان موقفا سلبيا ويعتبرون هؤلاء القصاصين خصوصا اولئك الذين ادخلوا الاسرائيليات على الساحة الثقافية الإسلامية من كعب الأحبار ووهب بن منبة وعبدالله بن سلام وأمثالهم بدايتهم من سنة اثنين وعشرين وثلاث وعشرين هجرية على يد كعب الأحبار فصاعدا الى ان استخدم الأمويون فكرة القصاصين في المساجد لتشويه الثقافة الاسلامية الاصيلة فموقف الأئمة عليهم السلام كان موقفا سلبيا تجاه هذه الظاهرة واتباعها ، فرأى الإمام زين العابدين عليه السلام الحسن البصري وهو يقص عند الحجر الأسود فقال له : أترضى يا حسن نفسك للموت ؟
(يعني انت الان لو جاءك الموت تكون راضيا عليها ؟) قال : لا
قال : فعملك للحساب ترضى العمل الذي قمت به للمحاسبة الالهية ، قال : لا
قال : فثم دار أخرى للعمل غير هذه الدار ؟ ( يعني اكو غير الدنيا يشتغل فيها بعبادة ربه و بالقيام بما ينبغي منه ) قال : لا
قال : فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟ (يعني أ يوجد مكان الله جعله للناس مثابة وأمنا يتعبدون الله فيه بهذه المنزلة غيد بيت الله الحرام ؟)
قال : لا
قال : فلم تشغل الناس عن الطواف إذن بقصصك هذه ؟
معنى ذلك انت جالس بجوار الحجر الاسود تضايق الناس الطائفين وهذه وظيفة هذا المكان للطواف وليس لشخص يجلس ويقص قصصا و كلاما من عنده الله اعلم من اين اتى به ؟ فيتبين من هذا الموقف من الإمام زين العابدين عليه السلام عدم رضاه عن هذا التوجيه الذي كان يصدر عنه واساسا أن الحسن البصري كان في توجهاته كما ذكرنا .
المورد الثاني نقل نفس الأمر في منى أنه مر به وهو يعظ الناس بمنى فوقف عليه عليه السلام وقال له : امسك اسألك عن هذا الحالة التي أنت عليها و أورد عليه نفس الكلام تقريبا ما أورده عليه في موقف الحجر الأسود وبعد ذلك قال له : اذا لم تكن هناك دار اخرى ولا انت ترضى نفسك للحساب ولا عملك للمساءلة فلماذا تعظ الناس ، المفروض أن الواعظ يكون متعظا وانت تعظ ولست بمتعظ ، فلما انصرف الإمام عليه السلام سأل الحسن البصري عنه فقيل له هو علي بن الحسين فقال أهل بيت علم .
فما رأي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس في ذلك الموضع ، فالامام عليه السلام من كان يستقبل منه المعرفة العلمية ،والثقافة الاسلامية كان يفيض عليه بذلك سواء كان مثل أبي حمزة الثمالي وهو من علماء أهل البيت عليهم السلام وكان عالما جليلا كبير القدر ، قد روى روايات كثيرة لاسيما ما يرتبط منها بإمامة أهل البيت عليهم السلام وهذا الذي جعل بعض رجاليي المدرسة الأخرى يضعفونه ويسقطون روايته لما كان قد روى من امامة الائمة المعصومين وفضائلهم وشأنهم فمن الطبيعي أن ذلك الذي يأتي من مدرسة مخالفة لهذا التوجه أن لا يرى هذه الروايات صحيحة وأن لا يراه ثقة كذلك ، فهذا من علماء أهل البيت لو لم يكن للإمام زين العابدين عليه السلام من جهد الا تربيته للإمام محمد بن علي الباقر أبي جعفر وتربية ابن اخر زيد بن علي بن الحسين الفقيه الشهيد لو لم يكن له من أي جهد آخر والحال أنه ملأ الدنيا في ذلك الاتجاه ولكن يكفيه أنه رب الامام الباقر عليه السلام وهو باقر علوم الأولين والآخرين ورب زيد بن علي الشهيد الثائر على بني امية الفقيه المتميز صاحب القراءة الخاصة في القرآن الكريم والذي يؤخذ منه الحلال والحرام والشرائع والأحكام ، نحن لا نعتقد بإمامته العامة وهو لم يكن يدعو إلى نفسه أيضا كما ورد في الخبر أن الإمام الصادق عليه السلام قال إنه دعى إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لفوى ولقد استشارني بخروجه ، استشهد سنة ١٢٠ هجرية ايام الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه وقتل بتلك القتلة الفجيعة حيث استخرج جسده بعد ما دفن وصلب على جذع نخلة في كناسة الكوفة ، امامنا السجاد صلوات الله وسلامه عليه كان له بالاضافة الى سائر الادوار كان له الدور العلمي متميزا ويعتبر من اعمدة العلم الذين افاضوا على فقهاء المدينة في وقته سواء من المدرسة الاخرى من فقهاء اهل السنة او كانوا من فقهاء الامامية وقد ذكر بعض الكتاب من اصحاب الامام السجاد عليه السلام عشرات الرواة والمحدثين والعلماء الذين اخذوا العلم ، هذا الدور وسائر الادوار جعل الناس يحترمونه وان كانت السلطة تضايقه وما هذه القصيدة التي ذكرناها في اول مجلسنا الا تعبير عن منزلة الامام السجاد عليه السلام ، فان الرواية تقول ان بينما كان الناس يطوفون واذا بالامام السجاد عليه السلام قد اقبل وعليه سيماء الانبياء وهيبة الصلحاء فانفرج الناس عن الحجر الاسود وعن الطواف حتى يمر امامنا السجاد عليه السلام وحين كان ولى العهد حينئذ هشام بن عبد الملك كما قيل حاضرا وتعجب كيف أنه هو لا يستطيع ذلك الا بطرد الناس بواسطة الشرطة والجلاوزة بينما هؤلاء الناس قد انفرجوا بمجرد أن رأوا هذا الرجل ، من هذا ؟ فقال الفرزدق كان حاضرا
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
من معشر حبهم دين وقربهم منجى ومعتصم
اللهم ثبتنا على ولايتهم وولايتهم واحشرنا معهم من معشر حبهم دين وبغضهم كفر ، مبغض ال محمد في منزلة هؤلاء الجاحدين و وهكذا استمر الفرزدق في قصيدته تلك التي جلى بها جهات ومناقب الإمام زين العابدين عليه السلام ، هذا الموقع من جهة ودوره في إبقاء الجذوة الحسينية حاضرة في الامة ودوره الآخر في تقريب الناس إلى ربهم وإفساد الخطة الاموية الرامية الى تحطيم دين الناس وعبادتهم وارتباطهم بالله وذلك من خلال تركيزه كما ذكرنا على الجوانب الروحية من الدعاء والمناجاة وما شابه ذلك مجموع هذه الأدوار وسواها جعل الوليد بن عبدالملك وهو من اشرس خلفاء بني امية يقول لا راحة لي وعلي بن الحسين على قيد الحياة في هذه الدنيا ، من الطبيعي أن الظلامة يغضب من الضياء وإن الباطل يكربه الحق وان السوء لا يرتاح إلى الخير فلا راحة له وعلي بن الحسين على قيد الحياة في هذه الدنيا إذن ما العمل هو الوصول إلى ما اختطه لهم ابائهم كمروان بن الحكم فعاتبه الإمام زين العابدين عليه السلام حيث أنه من جملة ما صنع له أنه حمى وحفظ ورعى عائلته مروان وبناته وأقاربه عندما ثار أهل المدينة على بني أمية كادوا ينتقمون منهم لكنهم لجأوا إلى الإمام زين العابدين عليه السلام فاحتضنهم الإمام وضمهم إلى رحله وعياله حتى قيل أن احداهن قالت مالقيت من الكرامة في بيتها مالقيته في بيت زين العابدين عليه السلام ، وتعلمون في ظروف هذه الثورات وانفلات الوضع ينمو حس الانتقام لكن زين العابدين الذي مثلوا بجثت والده عليه السلام بنو امية وجيشهم احتضن هؤلاء وراعاهم وهذا ليس غريبا هو الذي يعبر عنه الشاعر :
فشتان ما كان التفاوت بيننا وكل اناء بالذي فيه ينضح
هؤلاء ليس منهم إلا الخير والعطف والحنان ، الإمام زين العابدين يخاطب مروان بن الحكم وهو والي لمعاوية اولا ثم بعد ذلك خليفة لمدة من الزمن وابناءه بعده فيقول له وقد رأه ورأى ولده يشتمون الامام امير المؤمنين و يسبونه على المنابر فقال له يا مروان { انت تعلم ما كان اذب من صاحبنا عن صاحبكم } أنت تعلم أن عثمان إنما دافع عنه أمير المؤمنين عليه السلام ومنع من قتله في أول الأمر وما كان احد يذب ويدافع عنه كما كان علي عليه السلام ، فلماذا تسبونه ؟ فقال له بكل صفاقة أنه لا يستقيم أمرنا إلا بهذا ، ما تنتظم دولتنا وحكومتنا إلا بهذا السب والشتم فلا غرابة أن يأتي حفيده الوليد بن عبد الملك ليقول لا راحة لي وعلي بن الحسين في هذه الدنيا على قيد الحياة ولذلك توسل بأن يغتاله وفعلا أمر واليه على المدينة أن يدس إلى أمامنا سما نقيعا ولما تجرعه إمامنا في طعامه سرى السم في جسده وأوهى قواه نحل جسمه حتى كأنه تشرح أحشائه .